: آخر تحديث

هُنا لندن من زُمّار الى حدائق الهايدبارك!

34
34
29
مواضيع ذات صلة

 راديو الـ "بي بي سي" ودقات ساعة "بيغ بن" والعبارة الشهيرة لمذيعيها "هُنا لندن"، الصوت الذي سمعه الملايين على مدار 84 عاما سيتوقف ليصبح تاريخا وذكرى بعد الاعلان عن وقف البث الإذاعي بلغات عدة بينها العربية.  

(هُنا لندن) ثم تنطلق موسيقى الأخبار والصوت المميز للمذيع الذي يقولها بطريقة مميزة بعد دقات ساعة بيغ بن، هو ما كنا نستمتع ونفرح به في طفولتنا ونحن نرى اهتمام الوالد واخوتنا الاكبر منا وهم يحيطون الراديو الذي كان عزيزاً ومركز اهتمام الجميع خاصة في بعض الاوقات والازمات وهو ما جعلنا نسمع هُنا لندن مئات وربما آلاف المرات. 

وعندما كبرنا قليلاً كنا نردد مع اصحابنا (هُنا لندن) ونقلد صوت المذيعين الذين كانوا محط اعجاب الكبار قبل الصغار، وتطور الاعجاب وتحول الى رغبة بل أمنية زيارة لندن وباصاتها ذات الطابقين واذاعة الـ "بي بي سي" التي كانت ولعقود طويلة مصدراً ومركزا عالمياً للمعلومات والإعلام والبرامج الثقافية والسياسية والادبية والترفيهية ما جعلها اكبر من اذاعة واشبه بمنتدى لتبادل الآراء والافكار التي تعبر الحدود الثقافية واللغوية والوطنية. 

بل لا نبالغ اذا قلنا ان (اذاعة بي بي سي) ومجلة (العربي) الكويتية هما الجامعة التي تخرج منها الملايين للمعرفة والمستوى الراقي للكلمة والمعلومة والرأي والتقارير والاخبار التي كانت تقدم، وتتناول القضايا العالمية بالشفافية والحياد ودقتها وسرعتها في بث ونشر الاخبار والمعلومات من كل مكان. 

 ثم تطورت في سنواتها الاخيرة بعد انتشار الفضائيات فاصبحنا من المتابعين لقناتها والكثير من النشرات والبرامج والتقارير والأفلام الوثائقية، لكنها لم تكن بسحر وقوة الاذاعة، وحتى بعد انتشار الانترنت ووسائل وبرامج التواصل فان صفحة الـ "بي بي سي" ما زالت صفحتي المفضلة رغم انها وقناة التلفزيون بعيدة وابعد ما تكون عن الاذاعة التي مازالت الساحرة والناعمة والفاتنة والمرغوبة والمسموعة في كل حين ومكان خصوصاً في السيارة واوقات الكسل والضجر التي تمر علينا وتجعلنا عاجزين عن اي شئ وزاهدين بكل شئ لكن تبقى ال "بي بي سي" الصوت الباقي من ذكريات الطفولة وايام المراهقة والتي تذكرنا بالكثير الكثير من الاحباب والاعزاء الذين كنا نلتف معهم في حلقة الاستماع الى هنا لندن. 

ولا أنسى اول لقاء او حديث جمعنا بالعديد من الطلاب في كلية القانون والسياسة عما يأمل او يتمنى كل منا تحقيقه في الايام القادمة من حياته فكانت الاجابات مختلفة، بعضهم وزير والآخر سفير او قاضي أو ضابط أو محامي. 

وكانت امنية  زميلنا (أدريس صيهود) ان يكون مذيعاً حيث واظب على اذاعة الاخبار في ممرات وحمامات القسم الداخلي مقلداً مذيعي الـ بي بي سي وكان له ما اراد فقد اصبح مذيعاً معروفاً، لكن أمنية زميلنا (احمد زُمّاري) كانت صادمة وشجاعة الى درجة التهور في ذلك الزمان واقصد عام 1980 عندما قال (امنيتي ان اذهب الى لندن ومن ركن الخطباء في حدائق الهايدبارك اعرض قضية كوردستان وتقوم اذاعة الـ بي بي سي باجراء لقاء معي) ويومها لم يُعلق احد من الحضور بكلمة سوى التفرق بسرعة وخوف وحذر مما هو قادم. 

 بعدها اختفى زميلنا لعدة اشهر واصبح حتى السؤال عنه مغامرة وخوف رهيب، وعندما عاد كان انساناً مختلفأ عما عرفناه صامتاً وحيداً يتحرك ببطئ غريب، بعد ان كان سريعاً ونشيطاً مثل الفراشة، بعدها علمنا ان التعذيب وحرق اجزاء من جسده خلق عنده الكثير من المعاناة الصحية والنفسية التي جعلته حتى لا يتذكر امنيته عندما التقينا بعدها بسنوات ولم يتذكر او حتى يُبد اعجاباً او اهتماماً بالـ بي بي سي وحدائق الهايدبارك. 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي