مشكلات وأزمات العراق كثيرة، وأكثر منها الوعود لحلها والميزانيات التي خصصت لها والمبالغ التي صرفت وفساد الحكومات التي تغيرت بالاسماء لكنها جميعا لم تنجح في حلها، بل على العكس ازدادت وتحولت الى واقع وكسّارات وخسارات للعراق والعراقيين وجعلتهم ينتفضون ويتظاهرون ويقدمون الضحايا ولكن من دون نتائج او فرج.
واحتل العراق المراتب الاولى او المتقدمة في معدلات الفساد والمخدرات والافلات من العقاب وأسوء البلدان او المدن للمعيشة، وامتدت هذه الازمات لتتجاوز خدمات الكهرباء والتعليم والصحة وابسط مقومات الحياة لتصل الى موضوع المياه، وجفاف عشرات الانهار والمصادر التي تنبع من دول الجوار لتصل الى الرافدين دجلة والفرات اللذين قلت مناسيبهما الى معدلات خطيرة وادت الى جفاف الاهوار.
لكن في مقابل كل الخسارات والنكبات ولدت بعض الافكار والمشاريع التي يمكن ان تعيد الامل بالقادم من الايام، وتمثل مدينة الموصل التي عانت ما عانت قبل وبعد تحريرها افضل مثال، حيث يوجد فيها أكثرمن (11) مليون طن من الأنقاض المكدسة من البيوت والعمارات المدمرة والتي تؤثر على بيئتها وتعيق حركة العمران، وتشكل التحدي او الامتحان الاكبر في عملية البناء والتعمير التي يشوبها الكثير من البطئ والاهمال الى الحد الذي اصبح العائق الاكبر امام الاهالي والسكان الذين يريدون العودة الى بيوتهم ومحلاتهم لكن الخراب والدمار والانقاض تدفعهم وغيرهم الى السؤال: كيف يُمكن التعامل مع هذا الكم الهائل من الخراب والانقاض والدمار؟، وكيف يُمكن تحويلها من أنقاض ودمار الى بناء وإعمار؟
جامعة الموصل وبلدية الموصل وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة لشؤون البيئة (UNEP) ومنظمة الهجرة العالمية (IOM) قدموا الحلول الهندسية والعملية من خلال مشروع (كسّارات الموصل) وبمشاركة باحثين وعقول وابحاث علمية نجحت في رسم مشروع إعادة تدوير الانقاض والاستفادة منها في إعادة إعمار الموصل من جديد.
هذا المشروع الريادي والمتميز والذي يتميز بمواصفات عالمية حسب شهادات المختصين من المهندسين الذين كانوا وراء هذا المشروع العملاق الذي يتألف من ثلاث كسارات تم انشاؤها وتشغيلها بأيادٍ عراقية مهمتها انتاج مواد أولية للبناء والتعمير من مخلفات الحرب والتدمير والذي يمكن ان تكون نموذجاً في مناطق اخرى من العراق لتحويل الدمار الى إعمار.
وقد شاركت جامعة الموصل في اجتماع مشروع كسارات الموصل الذي عقد في 28/7/2022 مع عدة جهات (محافظة نينوى ووزارة البيئة وممثلي منظمة الأمم المتحدة لحماية البيئة UNEP ومنظمة الهجرة الدولية ومكتب مكافحة الألغام ومكتب التنسيق والتنمية)، والذي تمت الاشادة فيه بمشروع الكسارات والتركيز على أهدافه في بث الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة وتقليل تلوثها بهذه المواد ومحاولة إعادة تدويرها والإستفادة منها لاغراض أخرى تعود بالنفع على المجتمع وتظافر جهود المعنيين للوصول إلى مصاف الدول التي جعلت من انقاضها ونفاياتها استعمالات أخرى مفيدة ومهمة وتشغيلها بأيادٍ عراقية وبمواصفات عالمية، وهو ما يجعل هذا المشروع (كسّارات الموصل) بارقة أمل لتعويض (خسارات الرافدين).