: آخر تحديث

العالم ما قبل "كورونا" ليس كما بعده

65
68
71
مواضيع ذات صلة

أيقظ فيروس "كورونا" عراب السياسة الأميركية "هنري كيسنجر"، وزير الخارجية الأميركي الأسبق في إدارتي الرئيس "نيكسون وفورد"، والذي دق ناقوس الخطر محذرا من أن العالم ما قبل" كورونا" ليس كما بعده، متوقعا حدوث اضطرابات سياسية واقتصادية قد تستمر لأجيال بسبب الوباء، ملمحا إلى تفكك العقد الاجتماعي محليا ودوليا.

وقال "كيسنجر": "تتماسك الأمم وتزدهر عندما يمكن أن تتنبأ مؤسساتها بالكارثة، وتوقف تأثيرها وتستعيد الاستقرار. وعندما تنتهي جائحة "كوفيد 19"، سيتم النظر إلى مؤسسات العديد من البلدان على أنها قد فشلت. لا يهم ما إذا كان هذا الحكم عادلا بشكل موضوعي. الحقيقة هي أن العالم لن يكون كما كان بعد الفيروس التاجي. إن الجدال الآن حول الماضي يجعل من الصعب القيام بما يجب القيام به".

لا يزال الغموض يخيم على ما قد يؤول إليه النظام الاقتصادي والمالي العالمي، على الرغم من مرور حوالي ثلاثة شهور (أي منذ منتصف شهر فبراير) على إغلاق مدن ودول بأسرها. بيد أن مفكرين بارزين يؤكدون أن جائحة فيروس "كورونا" ستؤدي إلى تحولات دائمة سياسيا واقتصاديا في الكثير من دول العالم.

إن الاقتصاد العالمي سوف يواجه فترات ركود عميقة وطويلة بعد هذه الجائحة، التي تجتاح اقتصادات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، مثل ما حدث إبان أزمة ثلاثينيات القرن الماضي. كما أنها تختلف عن جميع الأزمات التي واجهتها العولمة الحديثة منذ الأزمة المالية عامي 2008-2009، مثل أزمة الديون الأوروبية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، فضلا عن صعود الشعبوية في العديد من البلدان الأوروبية.

رغم ما واجهه العالم من أوبئة وجوائح عبر التاريخ، استمرت القوى العظمى في الاستعداد للتعامل مع العدو المرئي تطبيقا لنظرية السيطرة فقط، ولم تتمكن من تطوير قناعة بضرورة تكريس موارد ضخمة لمواجهة عدو غير مرئي كالفيروسات وغيرها من الأوبئة القاتلة التي تعرضت لها البشرية على مدار التاريخ.

وحتى الآن، بدا أن الجوائح التي ضربت البشرية سابقا كانت أخطر من "كوفيد 19" كالإنفلونزا الإسبانية التي أودت بحياة أكثر من 50 مليون إنسان في العقد الثاني من القرن الماضي. وهذا الرقم يتجاوز بكثير عدد الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى، فضلا عن أرقام ضحايا جائحة الطاعون الثالثة (1855-1959) التي تخطت الـ 12 مليون انسان.

ورغم هذا التفاوت في أرقام ضحايا هذه الجوائح مقارنة بما سيحصده "كوفيد 19" فإن تداعيات "كورونا" الاقتصادية والاجتماعية قد تكون بالحجم الذي أحدثته الجوائح السابقة أو أكثر نظرا إلى عوامل عدة ولا سيما منها العولمة.  وإذا كان الحديث بلغة الأرقام لا يزال مبكرا، فالحقيقة التي بدأت تتكشف تبدأ بالمطالبات التي بدأت بالظهور لوضع الأمن الصحي على رأس أولويات استراتيجيات الدول العظمى بنفس مستوى التكنولوجيا والأمن الدفاعي. فالأنظمة الصحية القائمة في الدول الغنية أثبتت عدم قدرتها على التعامل الفوري والاحتوائي لجوائح مماثلة "لكورونا".

والتحدي الأول الذي سوف تواجهه الحكومات الديمقراطية في برامجها السياسية المقبلة هو" كيفية تجنب تكرار ما حصل". فهذا الموضوع سيتصدر كثيرا من الحملات الانتخابية في الدول الديمقراطية في المرحلة المقبلة. وعلى الأحزاب المتنافسة والحكومات الإجابة على هذا السؤال الذي سيطرحه الناخب في الديمقراطيات الغربية على الأقل وسيفرض نفسه على كل نظام سياسي في العالم.

بعيدا عن الجدالات حول المسؤولية الحقيقية حول الجهة التي تسببت بانتشار فايروس "كورونا"، ما بين رواية صينية تقول انه جاء مع جنود أمريكيين من أفغانستان شاركوا بعرض عسكري في مدينة "ووهان" الصينية، البؤرة التي انطلق منها الفايروس، اوانه تسرب من مختبرات علمية صينية، وتم إخفاء المعلومات الأولوية حول ذلك، فإن الحقيقية المؤكدة في الروايتين انه انطلق من الصين.

في مقابلة اجراها من البيت الأبيض، مع صحيفة نيويورك تايمز، قال الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أن التقارير الاستخباراتية تشير الى "حدوث أشياء سيئة في الصين"، على حد تعبيره، وأضاف قائلا: "دعونا نواجه هذا الأمر، الصين لم تنتج "كورونا" عمدا، إلا ان هذا الفايروس خرج من هناك، من مدينة "ووهان الصينية، بطريقة ما".
التطورات في الوقت الحاضر تشي بأن أمريكا ودول أوروبا تؤسس للذهاب، وبتوافق مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، لتأسيس وقيادة تحالف دولي لا يهدف الى إدانة الصين فقط، بل وتحميلها مسؤولية التبعات الدولية للفايروس، ومطالبتها بتعويضات مالية قد تصل الى تريليونات الدولارات، بدأت بسحب استثمارات أمريكية وأوروبية عبر شركات عالمية تعمل في الصين، ومطالبات صريحة بتعويضات مالية، بما فيها تعويضات الوفيات الناتجة عن الإصابة بالفايروس.

واستنادا لتقديرات الخبراء في علم الاقتصاد، فإن التعافي الاقتصادي سيحتاج لأكثر من عشر سنوات قادمة، وعلى كافة دول العالم الاستعداد لحرب عالمية ثالثة - ليست عسكرية - ولكنها اقتصادية بين أمريكا وحلفاءها الغربيين من جهة والصين من جهة أخرى. بدأت مؤشرات هذه الحرب بإعلان انخفاض نسبة النمو في الصين 7% لأول مرة منذ السبعينات.    

لن يتمكن العالم من تقدير حجم التغيير الذي ستتركه جائحة "كورونا" على تاريخ البشرية في الوقت الحاضر والمستقبل القريب، إلا بعد إحصاء العدد النهائي للضحايا، وتحديد المدة التي تمكن فيها الوباء من وقف عجلة الاقتصاد العالمي. فكلما طالت مدة المعركة مع الوباء، وخصوصا في الدول الصناعية الكبرى، كان حجم التغيير والتداعيات أكبر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في