ما الذي جعل محور ما يسمى بالمقاومة والممانعة يشن حملة كبيرة على مسلسل ام هارون الذي يعرض على قناة م بي سي السعودية، ولنرى ان هذا المحور سخر امكانياته المادية وازلامه وكل منابره الإعلامية من صحف ومحطات واذاعات ومواقع ومغردين حقيقيين ووهميين على مواقع التواصل للهجوم على مسلسل درامي يحكي قصة حياة يهود الخليج في حقبة ما قبل قيام دولة إسرائيل وبداية الصراع الإسرائيلي العربي والإسرائيلي الفلسطيني المستمر الى يومنا هذا.
بداية يجب التأكيد على ان العمل هو تلفزيوني درامي وكاتب ومعد القصة هو البحريني علي شمس واخرج العمل المصري محمد العدل والممثلون هم من الكويت جسدت الفنانة حياة الفهد في العمل شخصية اليهودية ام هارون القابلة والتي قامت بتوليد الأطفال في الكويت حتى سنوات الأربعين من القرن الماضي.
القصة مأخوذة عن حياة عائلة يهودية عاشت في الكويت وكان اسم السيدة "ام جان" ولكن العمل الدرامي كما في كل عمل يحاول تصوير وضع يهود الخليج حتى أواخر اربعينيات القرن العشرين وبداية سنوات الخمسين، من خلال معالجة وعرض وسرد وقائع حقيقية وخيالية من اجل ايصال رسالة الى المشاهد.
بالطبع العمل الدرامي هذا ليس وثائقيا ولا يمكن لنا ان نتوقع منه ان يصف لنا بشكل دقيق حالة يهود الخليج في تلك الحقبة الا انه يعرض المسألة على المشاهد بكل تعقيداته الدرامية والتي تميل أحيانا للمبالغة وأحيانا تنقصها الدقة التاريخية وهذا شأن كل عمل درامي يحاول تشويق المشاهد للحلقة المقبلة، خاصة ان المسلسل يعرض في شهر رمضان وبحاجة لان يستوفي عدد حلقات معين. التاريخ في مثل هذه الحالة غير مكتوب خاصة وأننا نتحدث عن حياة عائلة معينة تحديدا لذلك يعتمد المؤلف على قصص محكية انتقلت من شخص لأخر وعلى كتابات سابقة عن حياة يهود الكويت مثلا او يهود البحرين او يهود العراق وعن يهود السعودية واليمن، او يكون الكاتب والمؤلف توجه الكاتب الى أرشيف الدولة الكويتية لاستسقاء بعض التفاصيل عن العائلة ثم صياغة ذلك الى عمل درامي يكون للمخرج فيه حصة كبيرة في صورته الأخيرة المعروضة للمشاهد.
هجوم محور المقاومة وبقيادة دعاة مقاطعة إسرائيل من الفلسطينيين وتبني كل من حزب الله وحماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها من الفصائل والفرق والمليشيات طرح ان مسلسل ام هارون هو ضرب من التطبيع مع إسرائيل لم يأت من فراغ فهو عمل مدروس وله أسبابه، منها: ان العمل يبث على قناة ام بي سي السعودية واسعة الانتشار والاهم بين القنوات العربية والهجوم عليها هو هجوم على السعودية التي تعتبر رائدة الدول العربية في الاعتدال ومحاولة إيجاد حل سلمي في الشرق الأوسط يتمثل بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطين بحدود 67 وعاصمتها القدس الى جانب دولة إسرائيل وهذا الحل اقر في الجامعة العربية بالإجماع في مؤتمر بيروت 2002 فيما عرف بعد ذلك بالمبادرة العربية ام مبادرة الملك فهد, وهوا امر يعارضه هؤلاء ويرون بتكريس العداء واستمرار الحروب سببا لوجودهم.
سبب اخر هو ان حركات المقاطعة ومحور الممانعة ومن يسير في هذا الركاب يحصل على موازنات كبيرة من أطراف عربية واجنبية لمواجهة الاعتدال ومهاجمة محور السعودية ومصر والامارات والدول الداعمة لهم، وعليهم صرف الموازنات على فعاليات في هذا الإطار منها المقاطعة ومهاجمة ما يسمونه التطبيع او أي علاقة مع اليهود او الإسرائيليين.
وقد يكون طرح مسلسل ام هارون الذي يتحدث عن التسامح الإسلامي مع باقي الطوائف، وانخراط اليهود في حياة المجتمعات التي عاشوا بها لا يروق لذلك المحور الذي يصور اليهود، كل اليهود، مغتصبين ومجرمين وقتلة وسفاحين احتلوا الأرض وقاموا بالاعتداء على المقدسات وسيادة الدول العربية ولا يزالون يحتلون فلسطين، والمسلسل اغضبهم لأنه يصور اليهود العرب والذين عاشوا ويعيشون حاليا في عدد من الدول العربية, كأناس عاديين تماما مثلهم مثل المسلمين والمسيحيين والأخرين أي انهم ليسوا ذلك الغول او الشيطان الذي يأكل الأطفال ويقتل النساء والشيوخ والا فكيف سيروجون للمقاومة ضد الاحتلال واتخاذها ذريعة للعبث في مقدرات سوريا واليمن وفلسطين وليبيا.
ما يسمى بمحور المقاومة لم يرق له عرض اليهود كبشر كان لهم دور في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الدول التي عاشوا بها بل يريدهم هذا المحور كلهم مرتبطون بالاحتلال وبالمتطرفين من الإسرائيليين ويكرهون المسلمين والعرب ولصوص ومخادعين وقتلة وسفاحين حتى يكون هناك حاجة لهذا المحور واستمرار تلقيه الدعم والأموال من إيران وتركيا وقطر وبعض الجهات في الغرب والتي ترى باليهود أساس مشاكل العالم.

