كان الداهية الرئيس "السوفياتي" نيكيتا خروتشوف الذي كان قليل الثقافة مقارنة بغيره من الزعماء (الروس) بما فيهم الديكتاتور المرعب جوزيف ستالين وقبله "المنظّر" لينين لكنه بارعٌ في المناورات والألاعيب السياسية قد أطلق حكمة أصبحت أبدية جاء فيها: "من ليس ضدّي فهو معي".. وليس: "من هو ليس معي فهو ضدي" كما كان سائداً وكما لا يزال سائداً في عالمنا الثالث.. وأيضاً حتى في الدول الديموقراطية الغربية!!.
وأعتقد أنّ هذا منهجاً كان قد سار عليه رسولنا العظيم محمد صلوات الله عليه وهو بقي يحاور يهود المدينة ويتعاطى معهم كـ "ذميّين.. أهل كتاب" وهذا إلى أن ثبت أنهم "متآمرون" وأنهم يبطنون غير ما يعلنون فأصبح لا بد من مواجهتهم فكانت هناك مواجهة "خيبر" الحاسمة!!.
وهنا وعلى هذا الصعيد فأغلب الظن أن حتى بعض المسلمين قد قرأوا سير الخليفة العظيم عمر بن الخطاب بعيونهم فقط ولم يقرأوها بعقولهم وقلوبهم وإلاّ لأدركوا أنه في زيارته للقدس (الشريف)، الذي سيبقى "أسْره" وإحتلاله حسرة في قلوبنا وفي قلب كل مسلم وبالطبع كل عربي وكل منحاز إلى جانب الحق ضد الباطل وكل من يدرك أبعاد وأسباب ودوافع إقامة هذه الدولة في ثالث أعز وأقدس مكان بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة.. وحان وقت الصلاة دعاه رجال الدين المسيحيين الذين كانوا بإنتظار زيارته إلى مدينتهم إلى الصلاة في كنيسة القيامة.
لكنه، رضي الله عنه، رفض الصلاه في كنيسة القيامة رغم أنه كان قد دخلها وتجوّل في أرجائها وأختار مكاناً على بعد أمتار قليلة أمام مدخلها للصلاة فيه وكان أن تم بناء مسجد عمر في هذا المكان المقدس الذي أصبح عنواناً للتآخي التاريخي بين المسلمين والمسيحيين فكلاهما يعتبر أن المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة مقدسين وبالطبع وكلاهما يعتبران كنيسة القيامة مقدسة.
وحقيقة أنّ ما قصدته في البداية عندما أشرت إلى أنّ خروتشوف كان في ذروة صراعات قادة الحزب الشيوعي الروسي قد إختار هذه الحكمة السابقة: "من ليس ضدي فهو معي" وأعتقد غير جازم أنّ هذه المقولة أو هذه الحكمة هي بالأساس لأحد أوائل الخلفاء المسلمين.. ربما عمر بن عبدالعزيز، ولعلّ ما يجب التأكيد عليه هو أننا بحاجة إليها كعرب، من منا في مواقع المسؤولية وإن كأفراد عاديين .. فـ"من هو ليس معي هو ضدي" تعني في هذه المرحلة البائسة التي نمر بها أننا سنبقى على ما نحن عليه الآن: "رؤوس مؤتلفة ..وقلوب مختلفة" وكل واحد يضع رأس خنجره "شبريته" في خاصرة أخيه!

