عندما الحق رضا شاه، إمارة عربستان الى الامبراطوريته البهلوية وجلب اليها المهاجرين الفرس من كل صوب وحدب، وعندما أكمل نجله المهمة بتهجير المعلمين والموظفين العرب من المدن العربية الى المدن الفارسية، وقمع وإعدم وقتل المناضلين والمنتقدين، لم يتصوروا ان يبقى اثرا للعرب في هذه الإمارة التي اصبحت محافظة في عهدهما. كما لم يتصور الزعماء ومخازن الفكر المعادية للعرب في الجمهورية الاسلامية الإيرانية وبعد كل مخططاتهم الشيطانية لتغيير التركيبة السكانية وإجتثاث العرب ان يبقى اثرا للكوفية والعقال في جنوب إيران.
وانا اتذكر قبل قيام الثورة الإيرانية عندما كنت اعيش بالأهواز بالقرب من بيت جار اصبح مربي حمام بعد ان كان مناضلا في سبيل تحريرها. ذات مرة جاءني صديق شاعر وعندما رأى جارنا هذا قال لي:" خاب املي بهذا الشعب المثلج". غير ان هذا الشعب نفض الثلج والبرد والخوف من جسده وشارك الى جانب سائر الشعوب الإيرانية في اعظم ثورة في القرن العشرين، ليسقط ديكتاتور شوفيني حتى النخاع. فلااريد ان اذكر المآسي التي عاشها الشعب العربي الأهوازي في ظل ما تسمى بالدولة الاسلامية في إيران؛ من حربها مع العراق وتدمير معظم المدن والقرى والمنشآت التحتية الى قمعها لكل حركة تطالب بادنى حقوق انسانية وقومية للعرب في عربستان.
وعايشت كل اللحظات الحلوة والمرة لهذا الشعب منذ قيام ثورة فبراير 79 مرورا بفترة الاصلاحات الخاتمية الى فترة احمدي نجاد؛ وانا اتابع منذ سبع سنوات من منفاي مايجري لشعبنا، لابل قبل ذلك اي عندما كنت يافعا وكنت اسمع الكلام المصحوب بالهمس عن حركات قومية تحررية تباد على يد النظام البهلوي اثر بطشه وخيانات محلية.
تصور الحكم الديني الشوفيني في إيران بعد الثورة وباستخدامه الاساليب الجديدة والاضافية لتدمير هوية الشعب العربي الأهوازي وقمعه لحركاته وانتفاضاته وإخماد صوته، ان الامر قد انتهي وان العرب في اقليم عربستان اصبحوا اقلية يمكن ترويضها بل والقضاء عليها في طويل الامد لكن رغم ذلك بقى الشعب العربي كنخيل عبادان باسقا صامدا. وفي كل مرة يخطيء الحاكم القابع في قصور طهران في حساباته. صحيح ان الالوف من ابناء شعبنا فقدوا لسانهم العربي اثر موجات التفريس المتتالية منذ تسعين عاما غيران معظم هؤلاء لم ينسوا تعلقهم بلغتهم وهويتهم واني متأكد بانهم سيصطفوا الى جانب ابناء شعبهم في ساعة الصفر.
في الحقيقة ثورة فبراير 79 ازاحت حاجزا عظيما من امام شعبنا الذي لم يغادر ساحة النضال ضد الحكم الشاهنشاهي رغم الظروف الصعبة جدا في تلك المرحلة وقد انفتحت الاجواء السياسية لفترة قصيرة بعد قيام الثورة حاول ان يستغلها ابناء شعبنا خير استغلال لصالح الكفاح المستمر منذ عقود. فلم تنطفي شرارة النضال العربي في جنوب إيران رغم الردة وسلطة الثورة المضادة لرجال الدين والقوى الشوفينية المساندة لهم. وقد ظهر جيل جديد في عهد الاصلاحات (1997 – 2005) قام بتنظيم نفسه في إطار احزاب ومؤسسات ثقافية ومدنية غير ان القوى المعادية للديمقراطية والحرية لم تتحمل كل ذلك المد التنويري والتوعوي ليس في عربستان فحسب وفي كل الاقاليم والمحافظات الإيرانية وقضت على معظم مكاسب الشعب العربي الأهوازي بقمعها الدامي لإنتفاضة نيسان 2005. وقد نصبوا بعد ذلك المشانق واعدموا الشعراء وقتلوا وسجنوا الناشطين واوسدوا ابواب الحرية بوجه الناس. لكنهم لم يتمكنوا من تعطيل احتفالات الاعراس ومجالس العزاء التي تحولت الى منابر يبث منها الشعراء والخطباء، خطاب القومية والحرية، حتى وصلنا الى الاعوام الاخيرة حيث تحدى الجيل الصاعد، النظام الامني المشدد، في مناسبات مختلفة وفي الملاعب وعلى ضفاف الانهر وفي الشوارع، صادحا بحنجرته الفتية بالحق مؤكدا على عروبة ارضه وشعبه.
واخيرا وليس آخرا، كانت وقفتي ابناء شعبنا العربي الأهوازي – من اطفال ونساء ورجال - على ضفاف نهر كارون في الأهواز والمحمرة يومي 8 و 9 ديسمبر الحالي، حاملين شعارات تندد بالمسؤولين والحكام في طهران وتتهمهم بسرقة مياه انهرهم وتلويث بيئتهم واستغلال ثرواتهم النفطية وغير النفطية.
في الواقع ان هذه الوقفات جاءت بعد تسريب رسالة سرية تحمل توقيع الرئيس الإيراني حسن روحاني يأمر من خلالها بمد مياه اضافية من مصادر نهر كارون الى مدينة اصفهان وسائر المدن الفارسية في وسط إيران. ويرى الأهوازيون في ذلك، مخطط جديد قديم يهدف الى تجفيف نهر كارون واهوارعربستان (خوزستان) وتدمير البئية وتصحر الاراضي الزراعية وازدياد الاعاصير الرملية في الاقليم والتي تؤدي بدورها الى صعوبة العيش و تجبر السكان الاصليين اي العرب ان يتركوا قراهم ومدنهم ويهاجروا الى المدن الفارسية في وسط إيران.
لاشك ان هذه الوقفات وسائر المظاهر الاحتجاجية، تُعد بمثابة صفوف تمهيدية لتربية الجماهير الشعبية لتخلع ثوب الخوف وتخرج الى الشوارع للاعتراض على اوضاعهم المأساوية ويمكن ان تتطور وتصبح اكثر صراحة سياسية وربما تتحول الى مسيرات جماهيرية واسعة في المستقبل عندما يتطور النضال، في إيران عامة و في عربستان خاصة، الى مراحل ارقى، وهذا ماتبشر به الحركات المتنامية للطلاب والعمال والفئات الكادحة الاخرى؛ والاهم من كل ذلك، حركات الشعوب غير الفارسية التي ستلعب دورا اساسيا في تغيير الاجواء السياسية في إيران.