: آخر تحديث

خريف الخطأ

5
5
5

عالم من الأكاذيب لا يصمد أمام حقيقة واحدة... الخداع قد يستمر بعض الوقت، لكنه قطعاً لن يستمر طوال الوقت... ليس سهلاً على الحاكم أن يدرس الرياضيات ويخطئ في كل الحسابات.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قاد سلسلة من الأخطاء المركبة من دون أن يتوقف أو يعترف، فهو أسير لمدرسة المتطرف زائيف جابوتينسكي، الذي يؤمن بسلام القوة الغاشمة، تلك التي ورثها من مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، نتنياهو يقرأ التاريخ، ويدمن استدعاء الأخطاء، وتتلبسه شخصية أساتذته من أمثال بن غوريون وبيغن، لم تغب عنه تلك المدرسة العتيقة التي تؤمن بالحروب والاغتيالات الاستباقية.

يوم الثالث عشر من يونيو (حزيران) الحالي، استدعى نتنياهو صفحة دموية من قاموس السياسة التصفوية التي لا يجيد غيرها، وقام بقصف المفاعلات النووية الإيرانية، منتهكاً بروتوكول الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومتجاوزاً كل المواثيق والقوانين الدولية، واعتدى على دولة عضو في الأمم المتحدة، وذات سيادة.

ذكرني هجوم نتنياهو الاستباقي بهجوم أستاذه مناحيم بيغن عام 1981 عندما قصف مفاعل «تموز العراقي»، وبما ارتكبه يهود أولمرت عام 2007 عندما قصف المفاعل النووي السوري «الكبر».

ثمة مفارقات بين الموقعتين، ففي حالة العراق كان البلد مشغولاً بحربه مع إيران، وفي الحالة السورية لم يشأ الرئيس السابق بشار الأسد أن يرد فيدخل في حرب.

أفلت بيغن في حالة العراق، وأفلت أولمرت في حالة سوريا، بينما في حالة إيران الآن وقع نتنياهو في شرك مفاعل «نطنز»، والمفاعلات النووية الأخرى، فقد خابت ظنونه وتورط في الحسابات الخاطئة، ردت إيران وتفاعل المحيط الجغرافي لإيران والمنطقة ضد المسلك الذي اتخذه نتنياهو، وتجلى ذلك في بيانات سياسية أصدرتها الدول العربية المحيطة، وكذلك الدول الآسيوية، لم يتوقع نتنياهو أنه سيفيق على كارثة مفزعة، وأنه انغمس في حرب شاملة، وهو الذي كان يريدها خاطفة سريعة على طريقة ما جرى من إسرائيل سابقاً.

لكن الوقت مختلف، والتغير العالمي يتسارع عما كان في عصر بيغن أو أولمرت أو حتى في عصر مؤسس إسرائيل ديفيد بن غوريون، الذي كان يقول إن «الجيش الإسرائيلي يترجم التوراة على الأرض»، لذا استخدم نتنياهو تعبير «الأسد الصاعد» المأخوذ عن عالم التوراة كأنه استدعاء لقصص التوراة ليداعب خيال اليمين المتطرف، وكأنه في معركة دينية، وليست معركة نفوذ، ومصالح ومطامع.

لكل حرب نهاية، وستنتهي هذه الحرب التي أشعلها نتنياهو، لكن يوجد سؤال يطرح نفسه بقوة: هل قرار نتنياهو بالحرب ضد إيران سيكون خريف الأخطاء التي ارتكبها طوال العامين الماضيين وتحديداً منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 عندما شن سلسلة حروب، وفتح الجبهات المتعددة على إسرائيل أحصاها هو بسبع جبهات؟

في الحقيقة إن نتنياهو يستخدم إعلام «غوبلز» القائم على الأكاذيب والخداع، فهو لا يحارب بالفعل على سبع جبهات، إنما يقاتل منظمات وميليشيات، ولا أحد في المنطقة يؤمن بسياسة الميليشيات أساساً، لكنه أراد أن يعطيها شرعية، وكأنها دول، وهذا التفكير الخاطئ قاده إلى الشرك الكبير بالوقوع في حرب حقيقية مع دولة شاملة، وليست ميليشيا، فللمرة الأولى منذ أكثر من خمسين عاماً تحارب إسرائيل دولة أخرى بالمعنى الحرفي، وبالتالي أوقع نتنياهو نفسه في مستنقع، قد يتحرك ويتسع ليشمل جغرافيا أوسع من منطقة الشرق الأوسط.

وهنا تؤكد الشواهد أن هذا الخطأ المتطرف، قد يقود القوى العظمى إلى الاشتباك في صراع طاحن، ويبدو أن نتنياهو أراد ذلك، ولا ننسى أن خطابه أمام الكونغرس الأميركي الذي حمل دعوة لحرب غربية على الشرق، يقودها هو بنفسه، مذكراً الغرب بالتحالف الذي حارب النازية في الحرب العالمية الثانية وانتصر عليها، في مغالطة تاريخية، وجدت من يصدقه أو يصفق له، فلا الفلسطينيون نازيون، ولا يوجد هتلر في الشرق، فالفلسطينيون خاضعون للاحتلال باعتراف القانون الدولي، والشرق عموماً يريد الاستقرار، بل إن هناك من حذّر من مخاطر اتساع الحرب، وتصفية القضية الفلسطينية.

وعلى ذكر هذه القضية، فقد كان يجب أن يشهد اليوم التالي لهذه الحرب مؤتمراً دولياً في نيويورك، للاعتراف بفلسطين الدولة، لكن نتنياهو ارتجف من هذا اليوم وخرج عن أطواره، لقطع الطريق على نيويورك، ومنع الاعتراف بفلسطين، وشن حربه على إيران، من دون أن يعرف نهايتها.

إنه خريف الخطأ... نتنياهو استنفد كل الحيل التي آمن بها منذ ألّف كتابه «مكان تحت الشمس» الذي حلم فيه أن تكون إسرائيل قائدة مطلقة للشرق الأوسط، وقد عبر خلال العامين الماضيين في أكثر من تصريح أن إسرائيل ستغير وجه الشرق الأوسط، بل تمادى وقال: سوف تغير العالم، لكن حربه على إيران كشفت أن منسوب الأخطاء بلغ ذروته، وقاد إسرائيل إلى مصيدة الخطأ الأكبر الذي لا يمكن إصلاحه، من دون شطب مدرسة نتنياهو القائمة على سلام القوة، وديمقراطية الدمار.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد