قمنا في جمعية الصداقة الإنسانية، كغيرنا، بصرف مبالغ كبيرة، ولعدد كبير من المقيمين، من أصحاب الحاجة، وخاصة من المعوزين وأصحاب الدخول المتدنية. وكنا نفاجأ بوجود من يبلغ راتبه، وفق مستندات الدولة الرسمية، 75 دينارا، ويعمل سائقا في شركة، ويفترض أن المبلغ يكفيه لإعالة أسرته، وتوفير الطعام واللباس والسكن والعلاج لهم جميعا، بخلاف مصاريف المواصلات ورسوم المدارس، وغيرها من تكاليف الحياة، وهذا من المستحيل! عند سؤال طالب المساعدة عن الكيفية التي يمكنه فيها العيش بذلك المبلغ المتدني، يأتي الجواب غالبا بأن الله كريم وأهل الخير كثيرون... إلخ.
تبين أن غالبية هؤلاء مراوغون، ولا يودون ذكر دخلهم الحقيقي، لأسباب عدة؛ فمعرفته من الغير سيحرمهم من معونة الجمعيات الخيرية، كجمعية الصداقة الإنسانية.
كما وجدنا أن غالبية أصحاب الرواتب المتدنية، من طالبي المساعدة، لا يعملون في نفس الجهة التي يحملون إقامتها، بل في خارجها، ويدفعون للشركة، المصدّرة للإقامة، مبلغا سنويا مقابل إصدار أو توفير الإقامة لهم، فتقوم تلك الشركة، احتياطا، بذكر الحد الأدنى من الأجر، في الأوراق الرسمية، لحماية نفسها من أية مطالبات مستقبلية من العامل، وإن حدثت فستكون في حدودها الدنيا، لقلة الراتب «الوهمي»، الذي ورد ذكره في عقد العمل، الصادر عن هيئة القوى العاملة، التي تعلم جيدا حقيقة التلاعب في هذه المحررات، والسبب الحقيقي وراء ذكر تلك الرواتب المتدنية، لكنها عاجزة عن فعل شيء، فراتب الـ 75 دينارا تم ذكره في عقد العمل كونه يمثل الحد الأدنى لراتب العامل، وهذا غير دقيق. فالحد الأدنى هنا يخص فئة محددة من العمالة، وهم الذين تقوم شركات مقاولات النظافة وغيرها بجلبهم من الخارج بعقود عمل لفترة محددة، وتكون عليها مسؤولية توفير السكن والمأكل للعامل، وتوصيله لمكان عمله، وإعادته لمسكنه في نهاية يوم العمل، وتغطية تكاليف علاجه، إن مرِض، ودفع تكلفة تذاكر الطائرة في الاتجاهين، وفوق ذلك تدفع له «راتب الحد الأدنى»، وبالتالي فإن كل هذه الإضافات على الراتب لا يحصل عليها من يعمل مثلا في شركة، ويعيل أسرة!
لذلك قمنا مؤقتا، في جمعية الصداقة الإنسانية، بوقف صرف أية إعانات أو مساعدات مالية لأصحاب الدخول المتدنية، بعد أن تبين حجم ما تعرضنا له، وغيرنا، من غش من عصابات، وغالبيتها عربية ومسلمة، لأننا أحسنّا النية، وصدّقنا صحة مستندات الدولة!
نطالب وزارة الداخلية، وهيئة العمالة بضرورة التعامل بصورة جدية ودقيقة أكثر مع الراتب الذي يرد ذكره في تصريح العمل، ليكون متماشيا مع الوضع الاجتماعي للعامل، ووضع ضوابط أكثر صرامة، مع ضرورة تعديل الحد الأدنى. فإن كان راتب سائق البيت، أو عامل المناولة أو النظافة، الأعزب، يزيد بكثير على 75 دينارا شهريا، فكيف تقبل هيئة القوى العاملة راتبا يبلغ 75 لرب أسرة من خمسة اشخاص، ويسكن في شقة، ولديه مركبة وهاتف نقال، ويتلقى أبناؤه الدراسة في مدارس خاصة؟
هذا الغش والتلاعب في مستندات رسمية أمر مثير للريبة، يجب وقفه فورا، ونحن نربأ بالجهات الرسمية التورط بمثل هذه الأمور ونتمنى عليها مراجعة الأمر وتعديل كل عقود العمل، أولا بأول، منعا للبس، وتعديل هذا الوضع غير القانوني، واللاإنساني.
أحمد الصراف