كل ما هو معروف، حتى تاريخه، أنّ الانفجار المتزامن في آلاف أجهزة تلقي الإستدعاءات التابعة للمنظومة الخاصة ب”حزب الله”، هو من أكثر العمليات الأمنية “إثارةً” و”خطورة” في العالم!
لا أحد يعرف ماذا حصل. الجميع يقدم تخمينات. هؤلاء الذين يتحدثون لا يعرفون وأولئك الذين يعرفون صامتون!
حتى “حزب الله”، المعني الأوّل بما حصل لا يملك تصوّرًا واقعيًّا عن هذه الضربة الكبرى التي تلقاها، بشريًّا وماديًّا ومعنويّا. في ساعة واحدة، وبعد أربع ساعات من الحدث المذهل، أصدر بيانين. في الأول تحدث عن أنه يحقق لمعرفة ما حصل للأجهزة التي يحملها مقاتلوه ومستخدموه، لنجده يجنح في الثاني الى توجيه الإتهام الى إسرائيل، من دون تقديم أي تفصيل، ولو بسيط.
اتهام إسرائيل بما حصل منطقي جدًا، فهي صاحبة مصلحة، من جهة وتملك القدرات التكنولوجية الهائلة، من جهة أخرى.
ولكن الإتهام من دون وضوح قد يرتد سلبًا على مطلقه، فهذا، وإن كان حدثا سياسيا- أمنيا- عسكريا-انسانيا، إلّا أنّه أيضًا حدث تقني كبير. الحديث في السياسة والأخلاق والتهديد والوعيد سهل، وهو بمتناول الجميع، ولكن الحديث التقني هو الذي يظهر ما إذا كان هناك فعلًا تكافؤ بين المهاجِم والمهاجَم، خصوصًا وأنّ المرحلة الجديدة من الحرب التي أعلنتها إسرائيل، لم تكن عند وقوع هذا الإنفجار المذهل، قد تجاوزت يومها الأول. قرار الحرب اتخذ في الثالثة بعد منتصف الليل. الانفجار وقع في الثالثة بعد الظهر.
ثمّة نظريات إذا صحت من شأنها أن تلقي مسؤولية ما حصل على “حزب الله” نفسه، إذ هناك خبراء يعتقدون، مثل ذاك الذي تحدثت معه “بي.بي.سي” البريطانية، بأنّ الشركة التي زوّدت “حزب الله” بهذه الأجهزة، أعدتها للإنفجار. وضعت فيها كمية صغيرة من المتفجرات التي يمكن تشغيلها، من خلال شيفرة المنظومة، دفعة واحدة، بواسطة رسالة رقمية. لا يمكن أن يجزم أحد بصحة هذه النظرية التي يعتقد مراقبون أنها تتطابق مع ما سجلته الفيديوهات التي انتشرت كالنار في الهشيم، ولكن لا بد من الوضوح!
الخسارة كبيرة. هي في مكان ما لا تمس “حزب الله” فقط، بل لبنان بمجمله، لأنّه خرق خطِر للأمن القومي الوطني. صحيح أنّ “حزب الله” هو المستهدف الأول به، ولكن الصحيح أكثر أنّ الجهة التي يمكنها أن تفعل هذا بحزب حديدي، يمكنها أن تفعل ما هو أفظع بجميع اللبنانيين المتروكين لمؤسسات فاسدة ومهترئة، حين تشاء!
تتجه الحكومة اللبنانية الى مجلس الأمن الدولي لتقديم شكوى ضد إسرائيل. لا بد من ذلك، ولكن ماذا يمكن أن يحصل، لو افترض هذا المجلس أنّ ما حدث يستدعي تحقيقًا محايدًا، لأنّ الإدانة تحتاج الى وضوح؟ لبنان لا يملك هذا الوضوح في وقت تعتصم إسرائيل بالصمت!
بطبيعة الحال لن يجيز “حزب الله” تحقيقًا مماثلًا، وبالتالي، في ظل غياب الوضوح التام، ما يمكن أن يكون تهمة على العدو يمكن أن يصبح مشكلة للبنان كله!
إنّ ما حصل خطر للغاية، وهو ليس مجرد جزء من حرب نفسية، بل هو عمل أمني قائم بذاته. قتَل العشرات. تسبَب بإعاقة المئات. وجرح أكثر من 2800 شخص على صلة مباشرة ب”حزب الله”!
التهديد بالإنتقام لا يجدي نفعًا. إذا كانت إسرائيل تقف وراء هذا الإعتداء، فهي تدرك مسبقًا أنّها سوف تتعرض لهجوم كبير. وهذا الهجوم قد يكون مطلبًا إسرائيليًّا، فهي لم تعلن الحرب على “حزب الله” بهدف توفير الأمان الذي يسمح لها بإعادة سكان الشمال الى منازلهم، من أجل أن تقف مكتوفة الأيادي. هي أعلنت الحرب لأنها أصبحت تريد هذه الحرب.
السؤال الذي يفترض أن يجيب عنه “حزب الله” قبل أي جهة أخرى: هل ما يحصل معه منذ الثامن من تشرين الأول يؤهله لهذه الحرب؟ هل قدرته على إلحاق الأذية بإسرائيل، من خلال منظومة صواريخه، كافية لتجاوز نقاط ضعفه الكبيرة التي ظهرت، كالعجز عن حماية مقاتليه من الإغتيال الإسرائيلي؟
في الشهرين الأولين من الحرب، نسب الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله الخسائر البشرية التي تلحق بحزبه الى “الهاتف الخلوي”. سمّاه جاسوسًا. ولكن حين رمى المقاتلون هذا الهاتف جانبًا لم ينجوا.
الآن، حصلت مفاجأة أكبر. أجهزة الاستدعاء التي اعتبرها “حزب الله” قادرة على توفير بديل آمن للجهاز الخلوي، تحوّلت بذاتها الى “قاتل جماعي”!
ولا أحد يعرف ماذا يمكن أن تخبئ إسرائيل من مفاجآت، في حال لبّى “حزب الله” نداء الحرب!
ولذلك، قد يكون هذا الحدث المذهل، مناسبة صالحة لنشر الوعي الكامل، ممّا يوفر على لبنان المنهار مآسي المفاجأت المقبلة. والحل متوافر، وهو لا يحتاج الى عملية إبداعية. موجود في القرار 1701 وفي إعادة السيادة المسلوبة الى الجيش اللبناني المدعوم باليونيفيل، وفي البيت الأبيض “المستقتل” على إنجاز يضعه في رصيد الرئيس جو بايدن قبل |خطاب الوداع”، وفي صندوق اقتراع كاملا هاريس قبل الخامس من تشرين الثاني!
قد تكون هذه الدعوة الى الوعي، في هذه اللحظة العاطفية، منبوذة، ولكنّ من يصدمهم حدث بحجم ما حصل، يفترض أن يفكروا ألف مرة ومرة قبل أن يلبوا نداء حرب، يعرف الجميع بأنّها لن تُنهي إسرائيل، بل ستنتهي بتسوية تناسب إسرائيل!