أسعد عبود
إنه ترابط مثير للانتباه بين إعلان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنها تدرس تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى، وأنباء عن شن القوات الروسية هجوماً مضاداً على القوات الأوكرانية المتوغلة في منطقة كورسك، ودفعها إلى التراجع في بعض المواقع.
في الأيام الأخيرة، زاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من وتيرة مطالباته للغرب بضرورة الحصول على صواريخ بعيدة المدى، لقصف المطارات والبنى العسكرية الروسية التي تنطلق منها القاذفات الروسية والصواريخ والمسيّرات التي تُقصف بها المدن والبنى التحتية الأوكرانية، علاوة على استهداف خطوط الإمداد للقوات الروسية التي تسيطر على 18% من الأراضي الأوكرانية.
ارتدت مناشدات زيلينسكي طابع الإلحاح بعد القصف الروسي على معهد عسكري في مدينة بولتافا بوسط أوكرانيا، ما أدّى إلى مقتل 51 شخصاً على الأقل، ما يشير إلى استخدام روسيا أسلحة أكثر فاعلية منذ التوغل الأوكراني في كورسك واتهام موسكو للغرب بدعم هذا التوغل.
ويواجه زيلينسكي مسألة بالغة الأهمية، وهي أن التقدّم الروسي نحو مدينة بوكروفسك الاستراتيجية في منطقة دونيتسك، لا يزال مستمراً، من دون أن يؤثر عليه التوغل الأوكراني في كورسك الذي بدأ في 6 آب (أغسطس) الماضي، من ضمن استراتيجية كانت ترمي في المقام الأول إلى تخفيف الضغط عن بوكروفسك. لكن القيادة العسكرية الروسية لم تبتلع الطعم.
وأمل زيلينسكي في أن يوظف التوغل في كورسك كورقة مساومة في المفاوضات التي يبدو أن الرئيس الأوكراني لم يستطع التهرّب منها كثيراً، في ضوء بوادر الإنهاك التي بدأت تظهر على الأوكرانيين، وتدفعهم على نحو متزايد إلى تأييد الدخول في حوار مع موسكو، يؤدي إلى تسوية، ولو على حساب تنازلات مؤلمة.
عند هذا المنعطف الحاسم من التطورات، تُعلن إدارة بايدن أنها تدرس إمكان تلبية طلب زيلينسكي. يشكّل القرار الأميركي في نظر الكرملين تجاوزاً آخر للخطوط الحمر التي سبق أن وضعتها روسيا أمام حجم ونوعية المساعدات العسكرية الغربية. وليس صدفة أن يكرّس وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن جزءاً مهمّاً من زيارته الثلاثاء لبريطانيا، للحديث عن الملف الأوكراني، ومن ثم الانتقال معاً إلى كييف.
وأوكرانيا ملف متقدّم في حملتي المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديموقراطية كامالا هاريس. وفي المناظرة الأولى بينهما الثلاثاء الماضي، تحدّت نائبة الرئيس الأميركي، الرئيس السابق ترامب، في ما إذا كان سيعمل لهزيمة روسيا في أوكرانيا في حال عودته إلى البيت الأبيض. وصمت ترامب عندما تباهت هاريس بأنه لولا المساعدة الأميركية لأوكرانيا، لكان بوتين يجلس الآن في كييف!
ومن المؤكّد أن نتائج الانتخابات الأميركية ستقرّر إلى حدّ بعيد مصير الحرب التي مضى عليها عامان ونصف العام، وبدأت تتخذ في الأشهر الأخيرة منحى تصعيدياً حاداً، من دون أن تلوح في الأفق أية مبادرة جدّية للانتقال من الميدان إلى طاولة المفاوضات.
وإذا حصلت كييف فعلاً على صواريخ "أتاكمز" الأميركية البعيدة المدى، فإن ثمة مجازفة باستفزاز روسيا ودفعها إلى استخدام أسلحة امتنعت حتى الآن عن استخدامها منذ بدء الحرب. هكذا توحي تحذيرات الكرملين. فالناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا تحدثت عن إمكان "توحيد القدرات" مع الصين إذا واجهتا تهديداً من الولايات المتحدة.
ومن طريق دعم زيلينسكي بالصواريخ الأميركية، يستخدم بايدن ورقة أوكرانيا في دعم حملة هاريس، في وقت لم يعد الرأي العام الأميركي يبدي تلك الحماسة لمساعدة أوكرانيا على حساب جيوب دافعي الضرائب.
والرئيس الأوكراني الذي يعي مخاطر احتمال عودة ترامب، يريد إنجازاً عسكرياً الآن، يدفع بروسيا إلى القبول بالتفاوض من دون شروط مسبقة. هذا ما يفسّر المغامرة بالتوغل داخل الأراضي الروسية، ويفسّر أيضاً الإلحاح خلف الحصول على الصواريخ الأميركية. علّ هذه العوامل الجديدة تشكّل تغييراً في الجبهات، وتقنع موسكو بأن تحقيق النصر في أوكرانيا بات متعذراً، وآن الآوان للتفاوض بلا شروط.
وإذا صحّت الأنباء عن تمكّن القوات الروسية من دفع الجيش الأوكراني إلى الخلف في كورسك، فإن الحرب مرشحة للاستمرار أكثر منها للتوقف.