الرصاصة التي أطلقها الشاب الصربي غافريلو (19 عاماً)، فاغتال بها ولي عهد الإمبراطورية النمساوية الهنغارية وزوجته خلال زيارتهما لسراييفو عام 1914، أدت إلى تصاعد حدة التوترات واندلاع الحرب العالمية الأولى التي أسفرت عن مقتل 15 مليون شخص، وانهارت 3 إمبراطوريات أوروبية بحلول عام 1918. اعتدنا أن يأتي شيء من «الطاعة العمياء» من ميادين الجيوش، لكن هناك من يطيع شيطان نفسه. مثل هذا الشاب.
تقف خلف الطاعة العمياء أبشع التصرفات والكوارث، مثل نوبة الندم والذهول التي اجتاحت من ألقى القنبلة النووية على اليابان لتقتل ما دون ربع مليون شخص، بقيت ظلال كثير منهم غائرة على الجدران والصخور من شدة موجة الانفجار الإشعاعي.
تُبنى العسكرية إلى حد ما على فكرة الطاعة، ولذلك يُطلق على حامل النجمة «ضابط»؛ لأنه يتمتع «بسُلطة إصدار الأوامر»، وضبط الأمور. من دون ضابط الطاعة لن تتقدم الجيوش ولا الضباط نحو أهدافهم. ويختلف الأمر في «عالمنا المدني».
فهناك من يسلم «رقبته» لمديره، وينفذ كل شاردة وواردة. ولا يدرك الشاب أن أخطر التعليمات عادة ما تأتي في ثنايا الأوامر الشفهية حتى لا يدين «الآمر» نفسه، مثل طلبه تحويلات مالية غير قانونية، أو الإيقاع بين اثنين، أو خيانة الأمانة المغلفة بنية حسنة. فهناك بالفعل أشرار يستخدمون أبرياء لتحقيق أجندات خفية.
والطاعة العمياء نابعة على الأرجح من ذهن شخص واحد؛ ولذلك تسعى حوكمة المنظمات إلى أن ينطلق القرار المرتفع التكلفة من لجنة، أو توقيع أكثر من شخص، أو موافقة مجلس إدارة، أو وزير، لكي تقل تداعياته.
وربما لا يدرك كثير من الموظفين أن «طلبات المدير ليست أوامر» على غرار المقولة المصرية. ففي علم الإدارة اختلاف جذري بين التعليمات، والتوجيهات، والطلبات... والأوامر.
فالتعليمات Instructions معلومات وإرشادات توضيحية حول كيفية تنفيذ العمل بكفاءة. غالباً ما تكون مكتوبة لضمان الفهم، ويحاسَب الموظف في حال عدم التزامه. والتوجيهات Directions ليست سوى نصائح شفهية غير مُلزمة من المدير، الهدف منها تحسين أداء الموظف وحل المشكلات، مستندة إلى خبرة المسؤول. الطلبات Requests أمور ودية وغير مُلزمة من المسؤول، يُفضل تنفيذها بوصفها نوعاً من الاحترام، لكن لا يعاقب الموظف على عدم تنفيذها.
أما الأوامر Orders/Commands فهي توجيهات حازمة ومُلزمة، تبدأ غالباً بكلمات مثل «افعل» و«لا تفعل»، ويجب تنفيذها فوراً. ويحاسَب الموظف عند عدم الامتثال.
إذن، لا طاعة عمياء في العمل الإداري لمن يخالف اللوائح والقوانين وحدود صلاحياتنا. ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه.