أخذت الولايات المتحدة مساراً لا رجعة فيه نحو التقوقع والتراجع، في ظل مشاكل داخلية لا حد لها، وخلافات عميقة في الخارج، مع الخصوم والحلفاء. وبعد المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس السابق، دونالد ترامب، لم تصمد الدعوات إلى التهدئة والوحدة بين الأمريكيين طويلاً، وانهارت بسرعة مع انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، واختيار ترامب السيناتور اليميني جي دي فانس، نائباً له، ليصحبه في العودة إلى البيت الأبيض.
نائب الرئيس المقبل، في حال الفوز في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني، يبدو نسخة أكثر تشدداً من ترامب نفسه، ومتقلباً أكثر منه، وسيكون شخصية مثيرة، وإشكالية، ورجل حروب كلامية. ومثلما صعق اختياره المنافسين الديمقراطيين، ووصفوه بالمتطرف، والمحابي للأثرياء، لا يتفاعل جانب من الجمهوريين معه بالإيجاب، في كل ما يقول ويفعل. أما المؤشرات على صعيد العلاقات الخارجية للإدارة المقبلة فتنذر بمتاعب غير مسبوقة.
فمنذ الساعات الأولى لاختياره نائباً للرئيس انكشفت التصريحات الصادمة، وتبين أن فانس شنّ هجوماً لاذعاً على بريطانيا، أقرب الحلفاء لبلاده، وزعم أنها «دولة إسلامية مسلّحة نووياً»، في تعليق له على الفوز الساحق الذي حققه حزب العمال هذا الشهر. وهذا الموقف محرج حقاً، ومثير للريبة والشك. وإذا كان هذا الحال مع بريطانيا، فإن الموقف مع الحلفاء الآخرين في أوروبا، ودول حلف شمال الأطلسي، سيكون سيئاً، وملغوماً بالصدمات، بما يمهّد لنسف كل ما حاول الرئيس الحالي جو بايدن بناءه، وترميمه، بعد العهدة الأولى لترامب. أما العهدة الثانية المفترضة، فإنها ستدق إسفيناً في العلاقات القائمة بين ضفتي الأطلسي، وقد تنقلها إلى أوضاع شديدة التقلب، والدراماتيكية، لكنها ستساعد على انفراجات أخرى في علاقات واشنطن المتوترة مع قوى أخرى، ولا سيما روسيا. وإذا كان ترامب قد تعهد بإنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة، وأن المساعدات المقدمة لكييف لا تقدم، أو تؤخر، فإن نائبه فانس يعتبر أن هذه الحرب لا يمكن أن تنهزم فيها روسيا، كما يحلم الأوروبيون.
الأحداث الجارية في الولايات المتحدة لا تبشر بمرحلة من المصالحة الداخلية، وانسجام مع العالم الخارجي، وكل المؤشرات تؤكد أن هذه القوة العظمى ربما تدخل في منطقة رمادية لا يتضح معها المسار الذي يمكن أن تتجه إليه. ومن المبكر الحكم بالنجاح، أو الفشل، إذا سيطر ما بات يعرف ب«اليمين الجديد»، والذي يعد فانس أحد وجوهه، على مقاليد الإدارة المقبلة في البيت الأبيض، والمؤسسات الفيدرالية، وما يستتبع ذلك من تأثيرات في الأوضاع العالمية التي أصبحت مختلفة جداً عما كان عليه الحال قبل أربع سنوات، عندما كان ترامب في البيت الأبيض. ومثلما تعرف الولايات المتحدة انقساما حاداً لا سابق له، ووصل إلى حد العنف، والفوضى، ومحاولة التصفية الجسدية، أصبح العالم منقسماً، ومتعدد الأقطاب، وتتخلله الحروب والأزمات، ولم يعد يحفل بالقوة الأمريكية التي فقدت الكثير من سطوتها، وسمعتها، بسبب أخطاء استراتيجية ارتكبتها الإدارات السابقة في الربع الأول من هذا القرن.
ومن المتوقع أن إدارة ترامب المقبلة، لن تكون أفضل حالاً، بل ستكون على الأغلب عنوان السبات، لإعادة بناء الذات الأمريكية المستنزفة بعيداً عن مشاكل الخصوم، وطلبات الحلفاء.