مع إعلان أوساط مقربة من الرئيس الأميركي جو بايدن أنه قرر التشاور مع عائلته خلال ليل الخميس – الجمعة بشأن استمراره في الترشح لمنصب الرئاسة من عدمه، يمكن القول إن الموجة التي هبّت على حملة الرئيس المرشح على إثر المناظرة الأخيرة الكارثية مع منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، فعلت فعلها في إفقاد ترشح بايدن قوة الاندفاع التي يحتاجها من أجل متابعة السباق الرئاسي. فقد أدت المناظرة المذكورة إلى إظهار الرئيس في مظهر المرشح العاجز عن مواصلة الحملة الرئاسية. والأهم أنها أظهرته في عيون شريحة واسعة من مؤيدي الحزب الديموقراطي بمظهر العاجز عن الاضطلاع بالمهمات الرئاسية، في حال فاز يوم الخامس من شهر تشرين الثاني (نومفبر) المقبل. فالاستطلاعات الأخيرة وما أكثرها، وهذه المرة من مؤسسة "إيبسوس"، أشارت إلى أنه من أصل كل ثلاثة ناخبين ديموقراطيين، هناك واحد يعتقد أن على جو بايدن أن ينسحب من السباق. هذه نسبة كبيرة جداً، خصوصاً أن الخصم قوي وصعب المراس ويتمتع بقوة اندفاع كبيرة، وأن كل القضايا التي رفعتها ضده السلطات القضائية المتنوعة فشلت في عرقلة مسار ترشحه للرئاسة. وللتذكير فقد كان لافتتاحية صحيفة "نيويورك تايمز" التي وقعها مجلس التحرير، ودعت الرئيس الى الانسحاب من السباق الرئاسي، وقع الصاعقة على حملة بايدن. فالتوقيع الجماعي لمجلس التحرير نادراً ما يحصل، وقد حمل موقفاً من أهم صحيفة في الولايات المتحدة. وهي لا تؤيد غريم بايدن، دونالد ترامب، بل على العكس. الموقف كان صاعقاً. ثم تضعضعت جبهة الممولين، وبالتالي حامت حول الحملة شكوك خطيرة دفعت شخصيات من الحزب الديموقراطي الى مناشدة الرئيس الانسحاب. فكان موقف قوي من عضو مجلس النواب الديموقراطي عن مدينة أوستن – تكساس لويد دوغيت الذي أمضى ثلاثة عقود في موقعه، إذ ناشد الرئيس أن يحذو حذو سلفه الرئيس الراحل ليندون جونسون الذي انسحب عام 1968 لأسباب أخرى. قال دوغيت: "قراري أن أشهر تحفظي الشديد (بشأن استمرار ترشيح الرئيس جو بايدن) لم يُتخذ بخفة. ولا يقلل أبداً من احترامي لكل ما أنجزه الرئيس بايدن". وأضاف:" إني أذكّر بقرار الرئيس ليندون جونسون عام 1968 عدم الترشح لولاية جديدة (كان أكمل ولاية الرئيس الراحل جون كينيدي الذي اغتيل عام 1963 ثم انتخب لولاية أولى كاملة عام 1964). وقد اتخذ الرئيس جونسون القرار المؤلم وعلى الرئيس بايدن أن يحذو حذوه". وتحدثت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي في الاتجاه عينه فقالت: "إنه لأمر مشروع أن نتساءل عما إذا كانت حادثة المناظرة حدثاً عابراً أم مرضاً مديداً". ولعل جلسة الإيجاز الصحافي للناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار شهدت تضمين بعض الصحافيين أسئلتهم أوصافاً قاسية من قبيل استخدام عبارة مرض الزهايمر، ومرض الديمنشيا! إزاء هذا الوضع ما عاد أحد يستمع الى التبريرات التي ساقها الرئيس ومحيطه، كالزعم أنه كان يعاني من نزلة برد، وأنه كان يعاني من إرهاق شديد بسبب قيامه في الأسبوع الذي سبق المناظرة بعدد من الرحلات الخارجية. لماذا قامت القيامة على الرئيس جو بايدن؟ لا بد من الإشارة إلى أن علامات التقدم بالعمر ليست جديدة. والسقطات خلال الإطلالات الرسمية تتابعت طوال الأشهر الماضية. وأظهرت، أقله في نظر الرأي العام، أنه يعاني من مكامن ضعف شديد في التركيز خلال المناسبات الرسمية، أو أنه ينسى الأسماء والبلدان. وكثيراً ما كان يصافح في المدة الأخيرة الشخص الخطأ، أو حتى "شخصاً" عير موجود أمامه! هذه الحوادث تراكمت بشكل كبير خلال العام الماضي. ومع مرور الوقت صارت تحصل بشكل دوري وفي مرات متقاربة. انطلاقاً مما تقدم، ما ان انتهت المناظرة الكارثية حتى ضاقت كل الهوامش التي كان يتمتع بها الرئيس جو بايدن، إلى حد أن قلة من المعنيين تسامحت مع ما حدث. حتى الرئيس الأسبق باراك أوباما ما استطاع إلا أن يعترف بأن مهمة بايدن باتت أكثر صعوبة من أي وقت مضى. من هنا طرح مسألة انسحاب بايدن وترشيح آخر من الحزب الديموقراطي بديلاً عنه. في البداية حكي عن نائبة الرئيس كامالا هاريس وآخرين مثل حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم، وحاكمة ولاية ميشيغان غريتشين ويتمر، وحاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو. لكن استبدال بايدن ليس بالسهولة التي يعتقدها بعض المراقبين. فالأسماء الأخرى لا تتمتع بقوة اندفاع كافية في منتصف الطريق لمواجهة ترامب والفوز ضده. كل هذا في وقت بدأت أرقام استطلاعات الرأي ترسل إلى بايدن الإنذار تلو الآخر. فالفارق في التأييد بينه وبين ترامب وصل على المستوى الوطني العام إلى 6 نقاط لمصلحة غريمه، وفق آخر استطلاع لـ"وول ستريت جورنال"، بعدما كان نقطتين فحسب قبل المناظرة.
بايدن أسر الى محيطه القريب يوم الأربعاء الفائت بأنه ينتظر الأيام المقبلة لتحسين الوضع، فلديه الليلة مقابلة تلفزيونية على محطة "آي بي سي"، وزيارتان لولايتي وسكونسن وبنسلفانيا، فضلاً عن أنه سيترأس قمة "حلف شمال الأطلسي" يوم الثلاثاء المقبل في واشنطن. ومن المقرر ان يلقي كلمة فيها.
انما الوقت يمر بسرعة فائقة. فإذا كان لا بد من انسحاب الرئيس بايدن، فالحزب الديموقراطي بحاجة الى اتخاذ قرار سريع لتقديم مرشح بديل يتمتع بأربعة عناصر: الأول القبول الشعبي. الثاني المهارة في إدارة الحملة الانتخابية. الثالث القدرة على استقطاب كل الأجنحة في الحزب من اليسار الى الوسط واليمين، إضافة الى مستقلين. ورابعاً وأخيراً أن يكون بعمر مقبول يُنسي الناخب قضية سن جو بايدن، ويضعه في موقع افضل من ترامب البالغ من العمر 78 عاماً. هل سينسحب بايدن؟ كل المؤشرات تدل على أنه إن لم ينسحب اليوم فسوف يواصل ارتكاب الأخطاء والتعرض لعثرات أخرى ستدمر حملته وحملة الحزب الديموقراطي قبل حلول موعد الانتخابات في تشرين الثاني. لذا من الأفضل له أن يخرج اليوم قبل غد!