: آخر تحديث

إيران تُدخل لبنان حرباً معروفةً نتائجها!

37
34
40

هل ينتهي لبنان في سنة 2024 أم يُبعث من جديد؟

بات السؤال المتعلّق بمصير البلد مطروحاً بعد زجّ إيران به في أتون حرب لا علاقة له بها من قريب، لكنّها ستؤثّر على مستقبله وحتّى على مصيره كدولة مستقلّة كانت في الماضي القريب عاصمة لثقافة الحياة في الشرق الأوسط.

يبدو اغتيال إسرائيل لصالح العاروري، أحد أهمّ القيادات في "حماس"، بل القيادي الأهمّ في الحركة، نقطة تحوّل على الصعيدين اللبناني والإقليمي. لا يعود ذلك إلى أنّ اغتيال العاروري كان في أثناء وجوده في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، معقل الحزب فحسب، بل يعود ذلك أيضاً إلى وجود رغبة إسرائيلية في استغلال ممارسات الحزب من أجل توسيع حرب غزّة وفتح جبهات أخرى، بينها جبهة لبنان. دمّرت إسرائيل غزّة ردّاً على هجوم "طوفان الأقصى" الذي شنّته "حماس". لا وجود لسبب يدعوها إلى عدم تدمير لبنان بالطريقة نفسها التي دمّرت بها غزّة. لا يوجد سبب يمنع الحزب وإيران من معرفة النتائج التي ستترتّب على دخول لبنان حرباً مع إسرائيل.

ماذا يفعل العاروري في الضاحية؟
لا مصلحة للبنان في كلّ ما يحصل على أرضه. لا توجد لديه أيّ مصلحة في التصعيد ولا في الذهاب إلى مجلس الأمن متجاهلاً أنّ العاروري على قائمة الإرهاب الأميركيّة. يفترض أن يكون هناك من يسأل في لبنان ما الذي كان يفعله العاروري في الضاحية الجنوبيّة؟

قد تكون هذه المرّة الأولى في التاريخ الحديث التي يدخل فيها بلد حرباً غصباً عن رغبة الأكثرية الساحقة من أبنائه، بما في ذلك شيعة جنوب لبنان. المخيف أنّ نتائج دخول مثل هذه الحرب معروفة، خصوصاً في ضوء التعاطف الأميركي والأوروبي مع إسرائيل التي قرّرت انتهاج سياسة الأرض المحروقة في غزّة بدل سماع نصيحة العقلاء الذين يدعون إلى وقف النار فوراً تمهيداً للانتقال إلى البحث الجدّيّ في مستقبل غزّة ومستقبل العلاقة مع الشعب الفلسطيني.

جاء اغتيال صالح العاروري، الذي هو أهمّ بكثير من إسماعيل هنيّة (رئيس المكتب السياسي في "حماس")، في توقيت معيّن هو عشيّة الذكرى الرابعة لاغتيال الأميركيين لقاسم سليماني بُعيد مغادرته مطار بغداد في الثالث من كانون الثاني 2020. اغتيل القائد الحمساوي بواسطة طائرة مسيّرة تماماً مثلما اغتيل سليماني مهندس "وحدة الجبهات"، وهي "وحدة" عمل العاروري من أجلها أيضاً بعدما ربطته علاقة قويّة بـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران.

2024.. سنة حاسمة للبنان
تكراراً، تبدو سنة 2024 التي أطلّت برأسها سنة حاسمة بالنسبة إلى لبنان الذي فقد كلّ مقوّمات السيادة بعد خسارته الأسس التي قام عليها تاريخياً في ضوء تعطيل كلّ مؤسّساته وانهيار اقتصاده على نحو مريع. إنّه انهيار يعبّر عنه أفضل تعبير الوضع الذي آل إليه النظام المصرفي اللبناني الذي لن يستطيع استعادة عافيته في المدى المنظور في غياب أيّ قدرة لدى المصارف على إعادة أموال المودعين إلى أصحابها من لبنانيين وعرب وأجانب. شهد لبنان، في عهد ميشال عون – جبران باسيل، أي عهد الحزب الذي أوصل الثنائي إلى قصر بعبدا وفرضه على اللبنانيين فرضاً، عملية سرقة موصوفة لأموال الناس.
يدخل لبنان، الذي يسرح قادة "حماس" على أرضه ويمرحون، السنة الجديدة من دون رئيس للجمهوريّة. ليس واضحاً بعد الهدف من الإصرار الإيراني على استمرار الفراغ الرئاسي منذ نهاية تشرين الأوّل 2022. الأمر الوحيد الأكيد أنّ "الجمهوريّة الإسلاميّة" تودّ إبلاغ كلّ من يهمّه الأمر أنّها صارت صاحب القرار في لبنان وأنّها الطرف الوحيد الذي يقرّر من هو رئيس الجمهوريّة اللبنانية، الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة الممتدّة من إندونيسيا إلى موريتانيا. إنّها أيضاً الطرف الوحيد الذي يستطيع تقرير من هو مسموح له بدخول لبنان، من قادة "حماس" وما شابه ذلك، ومن يجب بقاؤه خارج لبنان... من العرب وأهل الخليج العربي خصوصاً.

يظلّ أخطر من الفراغ الرئاسي فقدان لبنان، بما بقي منه بحكومة تصريف الأعمال القائمة، قرار الحرب والسلم. لا علاقة للبنان بما يجري في جنوبه. لا مصلحة للبنان في إيجاد مبرّرات لعدوان إسرائيلي، اللهمّ إلّا إذا كان المطلوب المشاركة في تنفيذ أجندة إيرانية معروفة. لا يهمّ إيران هل يبقى لبنان أو لا يبقى. همّها الوحيد أن يكون ورقة من الأوراق التي تستخدمها في سعيها إلى صفقة مع "الشيطان الأكبر" الأميركي.

إيران وروسيا.. منتصران وحيدان في غزّة
إلى إشعار آخر، تبدو إيران، إلى جانب روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، المنتصر الوحيد في حرب غزّة. تريد قبض ثمن امتناعها عن توسيع الحرب، خصوصاً عبر منع الحزب من خرق قواعد الاشتباك التي يفترض أن تحترمها إسرائيل بموجب اتفاقات غير معلنة بينها وبين الحزب. لكن ماذا إذا قرّرت إسرائيل أنّها لم تعد مستعدّة لاحترام قواعد الاشتباك في جنوب لبنان ولن تتحمّل مستقبلاً استمرار الحزب في خرق القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن صيف عام 2006؟

من الواضح أنّ اغتيال صالح العاروري في الضاحية الجنوبيّة يكشف إصراراً إسرائيلياً على توريط لبنان في حرب غزّة. من الواضح أيضاً أن لا مانع لدى إيران في ذلك ما دام هدفها النهائي جرّ الولايات المتحدة إلى صفقة أو اتفاقات سرّية تؤكّد من خلالها أنّها القوّة المهيمنة في المنطقة والطرف المسؤول عن العراق وسوريا ولبنان وشمال اليمن.

ما يدعو إلى تفادي فقدان الأمل كلّياً في استعادة لبنان لعافيته أنّ المنطقة مقبلة في ضوء حرب غزّة على تغييرات كبيرة. قبل كلّ شيء، إنّ إسرائيل التي عرفناها لم تعد موجودة. تغيّرت إسرائيل كلّياً بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023. تغيّرت إلى درجة لم تعد تتردّد في فتح جبهة لبنان... تغيّرت إلى درجة ستتغيّر كلّ المنطقة معها، بما في ذلك لبنان!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.