: آخر تحديث

حينما «يطعن» المهنيون ظهرك!

13
14
17
مواضيع ذات صلة

جمعني لقاء عابر برجل الأعمال الكويتي الرائد في مجال التعريب، العم محمد الشارخ، فتأكدت من حقيقة أشهر قصة «قرصنة» على محتوى عربي. القصة باختصار، أن هذا الرجل الذي نذر نفسه لخدمة لغته، قد توصل في سنة 1990 إلى إنجاز تعريب ما يظهر على شاشات الحاسوب، وكان ذلك في حقبة يحبو فيها ذلك الجهاز الواعد، ولم يدخل حينها جميع البيوت بعد. وكان لدى الشارخ اتفاق مع شركة مايكروسوف التي يقودها، بيل غيتس، على إتمام هذا العمل ونشره.

وفي أثناء ذلك غزا الجيش العراقي دولة الكويت في سنة 1990، ولكن الشارخ «أيقونة تعريف الحواسيب» واصل كفاحه من الخارج فارسل ألمع الموظفين من طاقمه إلى مايكروسوفت لاستكمال متطلبات التعاقد وأركان العمل كلهم. وفي أثناء ذلك لاحت في ذهن أحد المديرين الأمريكيين فكرة تعيين موظفي عميلته (الشركة الكويتية «صخر») في مايكروسوفت باحتسابهم الفنيين الضليعين في هذا المشروع! وهو ما يعد في عرف أخلاقيات العمل انتهاكاً صريحاً لمبادئ التعاون التجاري.

ما حدث أن بيل غيتس قرر تعيينهما بناء على تزكية المدير الأمريكي، وكان مبرر ذلك أن دولة الكويت أو شركة صخر قد لا تعود! وهذا عذر أقبح من ذنب، فأخلاقيات العمل تقتضي أن تأخذ مايكروسوفت إذناً من عميلتها التي تربطها علاقة تعاقدية وأخلاقية.

كنت أعتقد وأنا في ريعان شبابي أن «حاسوبي» الذي يحمل شعار «صخر» هو اسم اختارته الشركات الغربية لمنطقتنا، ثم أدركت لاحقاً أن «صخر» شركة كويتية لبرامج الحاسوب ذاع صيت حواسيبها في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج حيث نجح صاحبها في اختراق سوق الألعاب الإلكترونية قبل أن يكون الحاسوب متاحاً للجميع عبر نوافذه العصرية windows بشتى أنواعها، غير أن هذه الحكاية لم يكتب لها النجاح المأمول.

ما حدث هو القصة التي نتحاشاها في الشركات عند التعاقد مع أطراف خارجية، ولذلك كنا حينما نوقع عقوداً مع أكبر بيوت الاستشارات العالمية نضع بنداً صريحاً يمنع تعيين أحد من موظفينا لدى الشركة التي تقدم لنا خدماتها، وأضحى ذلك عرفاً راسخاً في التجارة عموماً فلا يجوز أن «أخطف» موظفي عملائي في أثناء تقديم الخدمة فهذا كما وصفه الشارخ «طعنة في الظهر».

وأذكر أنني قد طرحت التساؤل التالي في أحد الفصول الدراسية الجامعية على طلبتي: لو كان لدى شركتك عقد استشاري مع شركة عميلة، هل تعين موظفاً يعجبك منهم في أثناء تقديمك للخدمة؟ فانقسمت الإجابات إلى مع وضد! وهو مؤشر إلى أن هناك من لا يتورع عن اختراق القيم الأخلاقية لتحقيق مصالح شخصية.

ولوضع حد لفوضى انتهاك أخلاقيات العمل، نشطت في حقبة السبعينيات ما يعرف بالحوكمة بعدما تزايدت فضائح تعارض المصالح، وتدخل مجالس الإدارات في أعمال الإدارة التنفيذية، وغيرها، وصارت الحوكمة في عصرنا مراقبة بصرامة من قبل المدققين الخارجيين، وكذلك من قبل الجهات الرقابية في الدولة للجهات الحكومية، ونلاحظ أن أي تراخٍ في تطبيق الحوكمة يجعل الأرضية خصبة للتنفيع وتعارض المصالح.

وكل تلك الجهود محاولة لتقليل «احتمال وقوع» ممارسات غير أخلاقية، مثل إفشاء سرية المعلومات، وتقديم معلومات منحازة، وطرح حلول عديمة الجدوى، وتقديم مصالح الشركة على مصلحة العميل وغيرها.

في عالم الأعمال يصعب أن تضبط أخلاقيات العاملين فيه ولذلك كان «انتهاك شروط التعاقد» ضريبة تدفعها الشركات، ولكنها أكثر إيلاماً حينما يدفع ثمنها مبدع من أبناء أمتنا يحاول أن يرفع راية التعريب قبل أن تباغته «طعنة غائرة» في ظهره.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.