: آخر تحديث

غزة بين سجن كبير ومقبرة جماعية

20
22
18
مواضيع ذات صلة

حين انسحبتْ إسرائيل من غزة كان انسحاباً مبَطَّناً يخفي نوايا تل أبيب الاستعمارية بجعل أكثر من مليوني فلسطيني في سجن مغلق لا يُسمح لهم بوصول الدواء والغذاء والمحروقات إلا بموافقة العدو الإسرائيلي، وأن المعابر المؤدية إلى القطاع إنما يتم فتحها وإغلاقها بأمر تل أبيب، حتى لا يتمتع المواطنون بحقوقهم في حياة حرة كريمة، بل وأن يظلوا يرزحون تحت نيران عدوهم الذي لا يرحم.

* *

ولم يكتف عدوهم بإغلاق قطاع غزة، وحرمان الفلسطينيين من ممارسة حياتهم الطبيعية، والويل لهم إن طالبوا بحقوقهم المشروعة، وإنما ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير بإحاكم الإغلاق، بتجويعهم، ومواصلة قصفهم بأعتى الأسلحة، وتدمير منازلهم بمن فيها، وتحويل غزة إلى مقبرة في قتل جماعي للمدنيين، دون إنسانية، أو وازع من ضمير، كما هو السلوك المعتاد للمحتل الإسرائيلي.

* *

ولم تكن إسرائيل لتفعل ما لم يفعله مستعمر آخر بهذا العنف والقسوة لولا أن من يسندها ويشجعها ويدعمها ويعاضدها هي الولايات المتحدة الأمريكية بالرجال والعتاد ومختلف أنواع الأسلحة الفتَّاكة، واستخدام الفيتو في مجلس الأمن لمنع أي قرار يطالب بإيقاف إطلاق إسرائيل للنار على المواطنين المدنيين الأبرياء في غزة، انتقاماً لهزيمتها في السابع من شهر أكتوبر، ومحاولة نتنياهو وأعضاء حكومته المتطرفين حفظ ماء الوجه ولو بقتل النساء والأطفال وكبار السن من المدنيين.

* *

وهذه الأعداد الكبيرة من الشهداء الفلسطينيين، والأرقام غير المعتادة من الجرحى، ومن هم في حال المفقودين تحت ركام المباني التي دُمِّرت ويقدر عددها بأنها تمثل 50 % من المباني في القطاع، كلها لا تحرك ساكناً لدى داعمي المحتل، ولا تدفع بأمريكا ودول الغرب لأخذ موقف مسؤول، بدلاً من دعم توجه إسرائيل للتصعيد، ومنع أي مبادرة من العرب والصين وروسيا والدول الإسلامية لوضع حد لهذا القتل الجماعي الذي فاق التصور، وزاد حتى عن المطلوب للانتقام الإسرائيلي من حماس والجهاد وبقية التنظيمات الفلسطينية المسلحة.

* *

للأسف إن أمريكا ودول أوروبا يتحدثون عن الأسرى لدى حماس، ويتجاهلون الأسرى لدى إسرائيل، يتحدثون عن القتلى من الإسرائيليين ويتناسون آلاف القتلى من الفلسطينيين، يُشَرِّعون لإسرائيل حقها في الدفاع عن النفس، ولا يرون أن للفلسطينيين الحق في الدفاع عن أنفسهم، وفي استرداد أراضيهم المحتلة، ما لا يمكن فهمه إلا أن هذه المواقف الدولية الاستعمارية التي تكيل بمكيالين لا زالت تعيش بفكرة وسلوك الاستعمار، وثقافة العبودية التي تريد أن تفرضها على الشعوب التي وُلدت أحراراً، كما هو تاريخها ناصع البياض.

* *

لاحظوا أن مرونة أمريكا ومن سار على خطاها اقتصر موقفها على مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول المواد الغذائية والدوائية تحت رقابتها، مع تأييدها في الاستمرار في هدم المباني، وقتل الناس، وصولاً إلى القضاء على حماس، وأن لا تعود غزة إلى الحالة التي هي عليها قبل اليوم، لأن البيت الأبيض «لا يعتقد أن وقف إطلاق النار هو الصواب»، ولا حظوا أن هذه القوى الظالمة تطالب تل أبيب بمنع المستوطنين من قتل الفلسطينيين المدنيين في الضفة الغربية، لكنها لا تتحدث عن جيش العدو وما يفعله من قتل وأسر واضطهاد وتنكيل بالأحرار من الفلسطينيين، ومن دعم الجيش للمستوطنين في جرائمهم، وتتجاهل أن رد المتطرف رئيس وزراء إسرائيل على هذا التصريح المهادن كان بتسليح المستوطنين ليقوموا بما يقوم به الجيش من عدوان على الآمنين في منازلهم ومخيماتهم، بما يؤكد أن طلب أمريكا وأتباعها من الدول الغربية إنما هو لذر الرماد في العيون.

* *

ومع كل حالة كهذه التي تشهدها حرب غزة، تظهر أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا لتتحدث عن أهمية الأخذ بخيار الدولتين، وأن هذا هو ما سوف يقود إلى السلام العادل، والاستقرار الدائم بالمنطقة، ونحن نعلم يقيناً أنها لو كانت صادقة وراغبة، لكان ذلك قد تحقق منذ اتفاق أوسلو، غير أنها من تقوم بتشجيع إسرائيل على رفض القبول بدولة فلسطينية، وإمعاناً في ذلك فهي من تسلح إسرائيل، وتدعمها بالمال، وتقف إلى جانبها في عدوانها، وتساندها في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا ما يجعل الأرض المحتلة سبباً في كل هذا الصراع الدامي الذي يكون ضحيته الشعب الفلسطيني الأعزل.

* *

وإسرائيل لا تعترف بأن لدى حماس 240 أسيراً، فهي تصنفهم وتسميهم على أنهم مخطوفين، بينما تتحدث عن الستة آلاف فلسطيني ما زالوا أسرى لديها على أنهم إرهابيون في سجونها وليسوا أسرى، هي هكذا، سلوك مشين، وعدوان بلا حدود، وأطماع باحتلال كل فلسطين، ومن لا يقبل بذلك فإسرائيل ليست لوحدها في الميدان، فهناك أمريكا والدول في القارة الأوروبية العجوز.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد