: آخر تحديث

العملية نجحت والمرضى في ذمّة الله

14
12
13
مواضيع ذات صلة

تطغى المكابرة على خطاب أذرع الممانعة في حرب الإبادة التي يشنّها العدو الإسرائيلي على غزة. وهي مكابرة تحتاج اجتهادات وفلسفات وتنظيرات لتقول إنّ عملية «طوفان الأقصى» نجحت بإدخال العدو في متاهة لن يخرج منها سالماً... وتشدِّد على أنّ إسرائيل لن تستعيد عافيتها بعد هذه العملية، وأنّ المنطقة مهددة بالانفجار إذا ما استمر التصعيد الحالي.

تقرن أبجدية انتصاراتها بصور الأطفال الأبرياء الذين حصدتهم آلة القتل الإسرائيلية، وبمشاهد الدمار لكنائس ومساجد، تسلط الضوء على المنحى الديني للمعركة، بصفتها بين يهود ومسلمين، ويمكن للمسيحيين أن ينخرطوا فيها تأييداً واستنكاراً، إذا هزتهم جرائم المساس بمقدساتهم. وتطالب بوجوب إدخال المساعدات إلى غزة، وتتعثر في مطالبها ووسائل الضغط التي تملكها مع خطوات ناقصة ابتداء من التهديد بقتل الرهائن الإسرائيليين، وليس انتهاء بعروض متواصلة للإفراج عن بعضهم وبدعوات للتفاوض بشأنهم.

وفي الأثناء يتواصل نزوح الغزاويين جنوباً، ويتواصل رفض الإسرائيليين طرح مسألة التفاوض مع رفعٍ لسقف أهداف الرد على الطوفان الذي ينحسر تدريجياً، ويتحول عمليات تذكيرية وليس حرباً متكافئة بين طرفين.

عدا ذلك، تتدفق أرقام مهولة لعدد ضحايا القصف الإسرائيلي المتوحش والخارق كل القوانين الدولية والإنسانية، والمدمر لكل أماكن اللجوء المحتملة في غزة من مدارس ومستشفيات ومخيمات.

عدا ذلك، تترقب «حماس» ومعها محور الممانعة العملية البرية للجيش الإسرائيلي وتكاد تستدعيها، على أمل التنكيل بجيش العدو وجهاً لوجه، لحاجتها إلى تسطير بطولات ملحمية وانتصارات وانجازات عبر هذه المواجهة، ليس لتغيير المعادلات، ولكن لتُخرس الأصوات الفلسطينية أولاً، والعربية ثانياً، المنددة بزج غزة في كل هذا الموت والدمار... وربما لتحسن شروطها للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين الذين ترتفع أعدادهم في سجون الكيان المغتصب.

تتجاهل أنّ العملية التي نجحت، ويمكن تدريسها في المعاهد العسكرية، بدأت تتحوَّل إلى ورطة لمحور الممانعة، أو ورقة بيد رأس المحور، يبيع ويشتري عبرها مكتسبات يسدد ثمنها من دماء الشعوب العربية التي يتفاخر بأنه يسيطر عليها وخصوصاً في فلسطين ولبنان... وأنّ اعتبار الجهاد «فرض عين» لا يكفي وحده لإبطاء وتيرة تلك الحرب، وأنّ تكفير الرافضين لاستجرار كل هذا الموت وتخوينهم وتصنيفهم وكأنهم مؤيدون لإسرائيل والولايات المتحدة، لن يلغي غياب خطة متينة، كان يفترض وضعها لاستكمال مفاعيل «عملية الأقصى» حتى لا تصل إلى ورطتها هذه.

كذلك، لا يكفي فتح جبهة الجنوب اللبناني عوض الاكتفاء بقواعد اشتباك أظهرت خللاً في موازين القوى، تدل عليه الأعداد المتزايدة للخسائر البشرية في صفوف «حزب الله» والسيطرة الجوية الإسرائيلية على مواقع المواجهة مع «الحزب»، كما بيّنت التجربة منذ الأيام الأولى لانخراط الحزب في مساندة «حماس». وكما دلَّت عمليات النزوح لعائلات أخلت قرى بأكملها في الشريط الحدودي المستحدث. ولن ينفع الترقيع لتجميل هذا الواقع، سواءً تعلق بالادعاء أنّ «حزب الله» يريد تجنيب اللبنانيين كأس الحرب المرة، أو أنّه من خلال هذه العمليات المحدودة نجح في لجم إسرائيل وردعها عن توسيع عملياتها في لبنان.

تتعامى الممانعة عن الواقع الدولي والإقليمي، وإيران من ضمنه، الذي لا يزال يتفرج على مسلسل القتل الإسرائيلي المرعب ولا يسعى جاهداً وبجدية لوقف إطلاق النار.

الواضح أنّ إيران تتريث وتكتفي بالتهديد، وربما تحضّر أوراقها في ضوء تطورات المعركة، لتبني حينها على الشيء مقتضاه. وفي الانتظار، يمكن القول إنّ عملية «طوفان الأقصى» نجحت، لكن الموت لم يكتف بالمريض وحده، وانما فتح شهيته ليحصد كل الأبرياء الذين رماهم القدر بين يدي أطباء يهمهم النجاح وليس الأرواح.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد