: آخر تحديث

حسابات ورهانات على "توازن المخاطر"

17
14
15
مواضيع ذات صلة

«لا يمكنك ان تأكل الكعكة وتحتفظ بها في الوقت نفسه»، يقول المثل الإنكليزي. لكن التشاطر اللبناني يوحي أن البلد المنهار المفلس يمكن أن يفعل ما يشبه ذلك وما هو اكثر: فتح جبهة الجنوب من أجل غزة، التفرج على «حماس لاند» حتى من دون إتفاق القاهرة الذي سمح بإقامة «فتح لاند»، إلغاء مفاعيل القرار 1701 في جنوب الليطاني، التمسك بقوات «اليونيفيل» بلا شغل خوفاً من سحبها، والإعلان عن احترام الشرعية الدولية في الوقت نفسه. أما الشرعية اللبنانية الناقصة بغياب رئيس للجمهورية، فإنها مرشحة للمزيد من الإهتراء، حيث يفضل «محور المقاومة» إدارة المعارك مع إسرائيل من دون رئيس، لأن أي رئيس مهما تكن قماشته محكوم بأن يكرر التذكير بلبنان ومصلحته الوطنية وحاجات شعبه. وأما حكومة تصريف الأعمال المبتورة، فإنها تمارس «النأي بالنفس» حيث لا يجب، أي عن قرار «حزب الله» منفرداً فتح الجبهة المغلقة نظرياً بالقرار الدولي 1701 كأن لبنان «غزة أخرى».

وليس أمراً خفيف الوقع على الآذان سماع نظريات خلاصتها أن مهمة الجيش اللبناني هي «حماية العمق»، ومهمة المقاومة الإسلامية هي حماية الحدود واختيار وقت الحرب وحجمها. ولا معنى لمطالبة «حزب الله» بالإمتناع عن توريط لبنان في حرب، بصرف النظر عن التضامن مع غزة وإدانة التوحش الإسرائيلي، لأن التورط حدث. ولبنان قدم الدفعة الأولى من ثمن الحرب من دون نشوب حرب إقليمية شاملة. والباقي على الطريق. وكل ما سيحدث هو تنويع على ما حدث ويحدث في التقاصف عبر الحدود، مع بعض التطوير، إلا اذا قضت اللعبة بحدوث تغيير نوعي: بحيث تكتمل كلفة الحرب.

لكن اللعبة ممسوكة من المصدر الذي يقود «محور المقاومة» ضمن حسابات دقيقة: لا تصعيد يقود الى حرب شاملة خوفاً على المشروع الإقليمي الإيراني، ولا تهدئة بل استمرار في عمليات أجبرت إسرائيل على إخلاء المستوطنات في الجليل وتجميد ثلاث فرق للجيش كان يمكن ان تنضم الى خمس فرق ضد غزة. والظاهر، بصرف النظر عن الحرص على الغموض الذي يُبقي العدو حائراً، أن قيادة «حزب الله» تضع في حساباتها المبدأ المسمى «توازن المخاطر». فلا يصح حساب ما تلحقه بإسرائيل من خسائر من دون حساب الخسائر التي تلحقها بنا وحجم التضحيات ونوعها. ولا أحد يخوض في معارك من دون ان يتصور صورة اليوم التالي بعد الحرب. ماذا يبقى من لبنان؟ أي سياسة بعد موت الحياة السياسية؟ أي إقتصاد في عزلة عربية ودولية؟ ومن يعيد إعمار ما تهدم؟

ما يبدو «أمر اليوم»، هو ربط التطورات بما يحدث في الغزو البري لغزة. لكن التدمير الجوي المنظم أخطر من الحرب البرية، حيث يد المقاومة أقوى في قتال الشوارع.

«وكما أن طرفاً يبدأ الحرب، فإن طرفاً واحداً يطيل بقاءها»، حسب أدلاي ستيفنسون.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد