: آخر تحديث

أمريكا تُطلق الرصاص على قدميها

15
19
22
مواضيع ذات صلة

شهدت العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة توترات غير مسبوقة بين الغرب وروسيا، حيث شنّت الولايات المتحدة وحلفاؤها عدة حملات عقوبات اقتصادية ودبلوماسية ضد روسيا، في محاولة لعزلها عن العالم. ومع ذلك، فإن هذه الحملات أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي وعلى أمريكا نفسها.
ويمكن أن تعود أسباب التوجه نحو عزل روسيا إلى العديد من القضايا الدولية، بدءًا من الصراع في سوريا وحتى الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير 2022. فعلى الرغم من أن الهدف الأساسي للعقوبات الأمريكية هو عزل روسيا عن العالم، إلا أنها أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي وعلى الولايات المتحدة نفسها.

ففي الأشهر الأخيرة، شهد العالم ارتفاعًا كبيرًا في أسعار النفط، وتحويل بعض الدول للتعامل بغير الدولار الأمريكي، وهذا التوجه نحو التعامل بغير الدولار الأمريكي يعتبر واحدًا من التداعيات الأكثر عرضة للتغيير جراء العزلة التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، وهذا يعني أن الدول التي تحاول التعامل بغير الدولار الأمريكي، تستخدم عادة العملات الأخرى مثل اليورو أو اليوان الصيني، وهذا يحد من النفوذ الاقتصادي للولايات المتحدة في العالم.

وقبل عدة أيام فقط فتحت الهند صفحة جديدة في العلاقات الاقتصادية مع الإمارات باتفاق يسمح بتسوية المعاملات التجارية باستخدام الروبية الهندية والدرهم الإماراتي بدلا من الدولار، وذلك ضمن جهود الهند لخفض تكاليف المعاملات عبر الاستغناء عن التحويلات بالعملة الأمريكية.

يأتي هذا وسط إقبال متزايد لدى بعض الدول على استخدام عملات محلية بدلاً من الدولار، معتبرين أنها تدخل ضمن نظام المقايضة، خاصة وأن التعامل بالعملات المحلية بات توجه لدى الكثيرين، ويحد من سيطرة الدولار شبه المطلقة على تعاملات التجارة الدولية.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن ارتفاع أسعار النفط يعتبر أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على الاقتصاد العالمي، حيث تتأثر الأسعار بالعديد من العوامل مثل العرض والطلب والتوترات الدولية. وبما أن روسيا هي واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، فإن تحقيق أرباح كبيرة من بيع النفط يعزز موقعها في الاقتصاد العالمي ويجعلها أقل تأثرًا بالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها.

ومن الناحية الأمنية، فإن التوترات الدولية التي ترافقت مع عزل روسيا، أدت إلى زيادة الشكوك حول علاقتها بالدول الأخرى، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد المزيد من التوترات الدولية. ومن الممكن أن تؤدي هذه التوترات إلى تفاقم الصراعات الدولية وتزيد من احتمالات اندلاع حروب جديدة، مما يعرض الأمن الدولي للخطر.
وعلى صعيد الاقتصاد الأمريكي، فإن العقوبات الاقتصادية على روسيا أثرت سلبًا على بعض الشركات الأمريكية وأدت إلى خسائر مالية كبيرة. وهذا يشير إلى أن قرار العزل الذي فرضته الولايات المتحدة على روسيا لم يكن فعالاً بالكامل، وأن الولايات المتحدة نفسها تضررت من ذلك.

وبالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية فإن تكلفة بعض السلع الأخرى قد وصلت مستويات قياسية وسط مخاوف من أن تؤدي الحرب وفرض عقوبات على روسيا إلى خلل في التوريد، ما أدى إلى نقص في المعروض وزيادة في الأسعار، مما يؤثر على الاقتصادات المحلية والعالمية. ومن المهم أن تعمل الدول على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتجاري وتقليل التبعيات السلبية للصراعات الدولية، وذلك من خلال التفاهم المشترك والتوجه نحو حلول بناءة ومستدامة. ويجب أن تتخذ الدول إجراءات لتحقيق الأمن الغذائي والحفاظ على استقرار الأسعار، وذلك من خلال تعزيز الإنتاج المحلي وتحسين الإدارة الزراعية والتحكم في الأسواق. ويجب على الدول أيضًا تشجيع التجارة الحرة والعادلة وتجنب فرض العقوبات الاقتصادية التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوترات الدولية وتأثير سلبي على الاقتصاد العالمي.

إن عزل روسيا عن العالم هو قرار يندرج ضمن التوترات الدولية المتزايدة، ولم يثبت فعاليته في تحقيق الأهداف المرجوة، بل أثر سلبًا على الاقتصاد العالمي، وعلى الرغم من وجود بعض القضايا المثيرة للجدل بين الغرب وروسيا، إلا أن الحوار والتفاهم يبقيان الطريقة الأفضل لحل الخلافات الدولية، بدلًا من فرض العقوبات والعزلة. ومن الضروري أن تبحث الدول عن طرق لتعزيز التعاون والتفاهم، والعمل على حل الخلافات الدولية بطرق سلمية، لتجنب الآثار السلبية للعزلة والعقوبات الاقتصادية.

والجدير بالذكر أنه في ظل التراجع الملحوظ في النفوذ الأمريكي في نصف الكرة الغربي، والتوتر المتزايد بين واشنطن وبعض بلدان المنطقة؛ بسبب سياسة العقوبات الأمريكية والتدخلات المستمرة في شؤونها الداخلية، تعمل موسكو على استثمار هذا التراجع، وبل تعميقه من خلال تقديم نفسها قوة دولية يمكن لبلدان المنطقة أن تعتمد عليها، وهو ما قد يعرقل الجهود الأمريكية لإعادة الانخراط في المنطقة، وقد يؤدي إلى تزايد الانحياز لروسيا وتقوية موقعها في المنطقة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا تعمل على تعزيز علاقاتها مع دول أخرى في العالم، وخاصةً الدول الناشئة والدول النامية، من خلال توقيع اتفاقيات تجارية واقتصادية ودبلوماسية، وتقديم المساعدات والتعاون الفني والعسكري، وهذا يساعد على تعزيز نفوذها الدولي وتوسيع دائرة تأثيرها في العالم. كما تعمل أيضاً على تعزيز دورها في المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) ومنظمة حلف شنغهاي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، وذلك من خلال المشاركة الفعالة في الأنشطة والقمم والمؤتمرات التي تعقدها هذه المنظمات.

ومن جانب آخر، تسعى روسيا أيضاً إلى تعزيز قدراتها العسكرية والدفاعية، وذلك من خلال تطوير تكنولوجيا الأسلحة وتحسين جاهزية قواتها المسلحة، حيث تعتبر روسيا واحدة من الدول الرئيسية في مجال صناعة الأسلحة، وتصدر كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى دول أخرى في العالم، ومن الواضح أن هذا التوجه الروسي يعد تحديًا للأمريكيين ولحلفائهم، ولا يمكن التغاضي عنه. وحتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا فإن جائحة كورونا سببت خللا في العلاقة بين العرض والطلب في أكثر من قطاع صناعي، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وحذر صندوق النقد الدولي من أن زيادة نسبة التضخم بشكل كبير سوف تؤدي إلى تقليل نسبة النمو الاقتصادي لهذه السنة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد