: آخر تحديث
المقال

آسيا الوسطى.. وعقدة ماكندر

16
19
26
مواضيع ذات صلة

عقدت الأسبوع الماضي في جدة القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى التي تضم كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان، وقرغيزستان، ومن اللافت للنظر أن هذه القمة قد جاءت بعد زيارات قام بها عدة قادة آسيويون إلى المنطقة، وعلى رأسهم رئيسا وزراء اليابان والهند فوميو كيشيدا واريندرا مودي وكذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأمر الذي قد يعطي انطباعا وكما لو أن هناك التفافا خليجيا نحو الشرق.

وأنا كتبت الأسبوع الماضي، أن مركز الثقل في العالم صار يميل تدريجياً نحو آسيا، حيث الصين والهند وإندونيسيا، التي سوف تتحول إلى أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، كما أن هذه القارة التي نحن فيها، تضم بالإضافة إلى اليابان كل من بنجلاديش وفيتنام وبقية النمور الآسيوية التي تنمو بوتائر اقتصادية مرتفعة، وذلك مقارنة بما هو عليه الحال في القارة الأوروبية - التي أطلق عليها وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد ذات مرة لقب القارة العجوز - التي صارت وتائر نموها الاقتصادي تراوح في مكانها.

وهكذا، فإن تطور العلاقة بين دول مجلس التعاون ودول آسيا، لا يفرضه المنطق الجغرافي وحده، وإنما المنطق الاقتصادي أيضاً، خاصة أن هذه الدول لا تتدخل في شؤون غيرها ولا تعاني من مرض التوحد autism disease، الذي تعاني منه القارة الأوروبية، وغيرها من الدول الواقعة غرب خط موفيوس The Movius Line.

إن القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى، سوف تساهم في تقوية العلاقات مع هذه الدول شبه المجاورة لنا. فهذه البلدان، التي كانت وإلى الأمس القريب جزءا من الفضاء الإسلامي الذي يضمه الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، تعتبر من الدول المهمة لدول المجلس، إذ بالإضافة إلى روابط العقيدة، هناك الثقافة والعادات والتقاليد المشتركة، حيث تلعب العشيرة دور لا يستهان به في هذه البلدان.

وثمة أمر آخر، فهذه البلدان التي خرجت من عباءة الاتحاد السوفيتي عام 1991م، تحتل موقعا جغرافيا متميزا، حيث يطلق عليه بعض المنظرين "قلب الأرض"، وذلك على النحو الذي تصوره عالم الجغرافيا والسياسة البريطاني، وأحد مؤسسي علم الجيوبوليتيك هالفورد جون ماكندر، - Halford John Mackinder "، والذي اعتبر واهماً، إن من يسيطر على هذه الدول، فسوف يسيطر على العالم كله - ولذلك ابتليت آسيا الوسطى بتصديق الكثير لهذا الوهم.

 وعلى هذا الأساس، فليس غريباً أن نرى الصراع يدور حول "قلب الأرض"، بين العمالقة الثلاثة: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين. فمنطقة آسيا الوسطى غنية بالثروات المعدنية ولديها احتياطات ضخمة من النفط والغاز. ولهذا، فإن هذه البلدان، تبحث عن توازن يخفف عنها الضغوطات الناجمة عن موقعها الجيوسياسي - الذي وهبها، أو بالأصح ابتلاها به جون ماكندر - وجعلها عرضة لمساومات الدول العظمى. 

ولذا، فإن القمة التي جمعت هذه الدول مع بلدان المجلس الأسبوع الماضي، قد تكون واحدة من المخارج، أو بالأحرى فرصة للهروب من عقدة ماكندر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد