: آخر تحديث

أولويات البناء التنموي

18
16
22
مواضيع ذات صلة

كيف يجب التعامل مع مستجدات تقدم التقانة؟ كل يوم تظهر أعجوبة جديدة، فهل على شعوب التنميات المتعثرة أن تُهمل العِثار التنموي وتركض خلف أطياف تكنولوجية لا تسمن ولا تغني من جوع؟

حين نفكّر من منطلق شعوب وأمم متعثرة مدنياً وحضارياً، نُدرك أن مظاهر التقدم العلمي والتكنولوجي تحمل في طياتها فخاخاً وخُدعاً بصرية وسرابات. إذا كانت المكاسب فردية، فذلك جميل، لكن ما الذي يعنيه هذا الفتات الزائف إذا كان القياس على بلد متخلّف نفوسه بالملايين؟ وسائط التواصل الاجتماعي صارت تمطر من يجني ملايين اللايكات بمبالغ طائلة، لكن هل في ذلك ذرة نفع لشعب جائع مُثقل بالفجائع ينهب الفساد الداخلي والهيمنة الخارجية ثرواته ويُملى عليه عدم زراعة الحبوب؟

وسائط التواصل أعطتنا صورة كاريكاتورية أظهرت بلدان الربيع العربي مثل «المرأة التي لا تحسن استخدام البخور، فتحرق ثيابها»، بينما الممسكون بخيوط مسرح الدمى فرحون بإخراجهم: «فخّار يكسّر بعضه». يقهقهون: «هكذا تكون الفوضى الخلاقة». في المستقبل ستكون التكنولوجيا أخطر. اللعبة ظريفة: لو كانت جوجل، أبل، أمازون، فيسبوك، مايكروسوفت، مِلكاً للدولة، لاتّهمت بأنها تتجسّس على العالم، تراقب حتى النملة تحت الثرى. اليوم كل البشرية تحت المجهر، وخصوصيات كل فرد مكشوفة لهم بالتفصيل، وبمحض إرادته يوافق على ملفات تعريف الارتباط، التي انتقوا لها اسماً لذيذاً، فنطقه كالبسكويت حلو «كوكيز».

وزير خارجية الرئيس ميتيران، صديق العرب، كلود شيسون، نصحهم في أوائل العقد الثامن الماضي، بألاّ يقلّدوا الغرب في التنمية، وأن يسيروا على خطى الهند. آنذاك كانت 75% من الأراضي الهندية مزروعة، أما الرياضيات في الهند فبلا منازع. كان عليه تذكير العرب بالمثل الفرنسي: «لنأكل أولاً ثم فلنتفلسف»، حتى لا نضيع الوقت في طبخة حصى التنظيرات الحزبية، بينما البلدان الجادة ضمنت لشعوبها الماء والغذاء والدواء والكهرباء ولترابها السيادي وسائل الدفاع. بعد تأمين الأساسيات الضروريات كل شيء سهل. اليوم تقانة الاتصالات الصينية هي الأولى، لا أمريكية ولا أوروبية. شبكة قطاراتها السريعة هي الأولى. ثلاث سنوات أو أربع بعد ثورة 49 أعلن ماو توفير طبق أرز لكل صيني. التنمية المضادة المقلوبة، حوّلت بلداناً عربية ثرية إلى دول فاشلة. سلّة الغذاء العربي نجم عنها أكثر من ثلاثة ملايين مشرّد خارج وطنهم. قلعة أسود الرشيد تتعالى فيها نُذُر حرب شيعيّة شيعيّة، كأنما توابع الغزو تتجدد. لبنان ينتظر أن يُعمّد الإيليزيه من سيدخل قصر بعبدا. ما فائدة إنستغرام وتويتر وميتافيرس في تلك الأوضاع، إذا الوطن ضاع؟
لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: الطريق إلى قلب التنمية الشاملة يبدأ من بطن الشعب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد