: آخر تحديث

في متحف بيكاسو

21
18
21
مواضيع ذات صلة

مع أن عائلة الفنان بيكاسو (1881 – 1973) تنقلت، وهو طفل وشاب، بين أكثر من مدينة في إسبانيا، بينها لاكورونيا ثم برشلونة، ربما بسبب طبيعة عمل والده كأستاذ للفنون الجميلة، إلا أن بيكاسو ولد في مدينة مالقا في الجنوب الإسباني، إحدى مدن الأندلس، ومع أن المدينة لم تحظ بصيت مدن أندلسية أخرى خضعت للحكم العربي كغرناطة وقرطبة وإشبيلية، إلا أنه تعاقب على حكمها الأمويون وبنو حمود والمرابطون والموحدون، قبل أن يستولي عليها القشتاليون بعد حصار طويل.

غادر بيكاسو الشاب إسبانيا إلى فرنسا، التي عاش فيها الجزء الأكبر من حياته، وفيها تطوّرت مراحل تجربته الفنية، ومات ودفن فيها، حتى ارتبطت حياته بفرنسا أكثر، لكن ظلّ ارتباطه العاطفي بوطنه الأم، ومسقط رأسه قوياً، ففي عام 1937، رسم لوحة «غرنيكا»، التي ستغدو أشهر عمل فني في القرن العشرين، ورسمها بيكاسو بعد قصف مدينة غرنيكا، إثر هجوم شنّه عليها الطيران النازي الموالي للجنرال فرانكو، ما تسبب بمقتل حوالي ألفي شخص، فجعل بيكاسو هذا العمل «أداة حرب»، يرمز إلى موقفه السياسي خلال الحرب الأهلية، وينظر إليه دليلاً على ما يمكن للفن أن يؤديه من دور في إدانة العدوان والانتصار للواقع، وعلى الموقف الأخلاقي الذي يتعين على الفنان اتخاذه، ويقال إن هذه اللوحة بالذات أثارت حقد النازيين عليه.

لم تفرط إسبانيا في اسم وتراث فنان كبير مثل بيكاسو، انتماؤه إليها مصدر فخر واعتزاز، فأقامت متحفاً يحمل اسمه بمدينة برشلونة، يضم أكبر مجموعة من أعماله الفنية، وهو من أكثر المتاحف الإسبانية شعبية واستقطاباً للزوار، حيث تمكن زيارة له من تكوين فكرة عن أعمال بيكاسو عندما كان شاباً من خلال 4251 من الأعمال التي تشكل المجموعة الدائمة له، كما يكشف المتحف عن علاقة بيكاسو العميقة مع برشلونة، التي عاش ودرس الفن فيها، ويقال إنه المتحف الوحيد الذي افتتح بناء على طلب الفنان نفسه.

ولمالقا مسقط رأس الفنان ومربع طفولته حصة في الاحتفاء بابنها، وهي الفخورة بأنه من مواليدها، وحرصتُ خلال رحلتي إلى المدينة على زيارة المتحف الذي يحمل، هو الآخر، اسم متحف بيكاسو، ويلزمك، للدخول إليه، الانتظار في طابور طويل من الزوار. تم افتتاح هذا المتحف في عام 2003، ويضم أكثر من 250 عملاً تبرع بها أحفاد بيكاسو، تتنوع ما بين اللوحات الفنية والمنحوتات، ويقع في قصر أعيد ترميمه، يعود إلى القرن السادس عشر، يبدو أنه استخدم من قبل النازيين. هزمت النازية فيما بقي فن بيكاسو حياً، عابراً للزمن.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد