: آخر تحديث

هدية فكرية إلى الأجيال

23
21
25
مواضيع ذات صلة

ما رأيك في خاطرة عن نوع آخر من التبسيط؟ أنت تعرف أن الدعوة إلى تبسيط قواعد العربية لم تلقَ حياةً لمن تنادي. أمر غريب، فاللغويون الأفاضل يرون أن العربية لم تعد العربية التي كان قدماؤنا يكتبونها. لو ألقى التوحيدي نظرة على صحافتنا لأُغمي عليه. صارت العربية لغة أخرى تماماً في الاقتصاد والعلوم والتقانة والصحة والدفاع، وحتى في الثقافة. مع ذلك فعلماء لغتنا لا يحرّكون ساكناً، بينما المناهج لا تستطيع، بل لا يحق لها، تبسيط النحو والصرف بمفردها، من دون الرجوع إلى مجامع اللغة. المأساة هي أن من يطالع النحو في المناهج الحاليّة، يدرك أن القرون الخالية لا تزال شديدة التأثير، صيغاً وتراكيب وشواهد، في المقرر.

التبسيط المقترح هو في نطاق الفكر. لدينا عشرات المفكرين من الماء إلى الماء، قامات وهامات، سوى أن مؤلفات الكثيرين منهم، على سبيل المثال محمد أركون ومحمد عابد الجابري، ليست سهلة القراءة في مستوى الثانوية وبداية الجامعة، في الفرع الأدبي تحديداً. طلاب هذا المسار مؤهلون ذهنيّاً لمطالعة تاريخ الأفكار واستيعاب مشارب الفكر، غير أن المصاعب كثيرة المتاعب، منها أن الفلسفة كانت دائماً محفوفة بقيود صارمة في تاريخنا. أكبر المفكرين، ابن رشد، أُحرقت كتبه. قبله إخوان الصفاء، كانوا يعملون في الخفاء، فالمصادر قليلة. ثم إن مَن هم بين السابعة عشرة والعشرين قد لا يجدون سلاسة في تراثنا الفكري فيحتاجون إلى كسارات بندق لإدراك معاني القدامى. حتى مقدمة ابن خلدون تستدعي مصطلحاتها ترجمة إلى العربية الحديثة.

ليس الغرض من الطرح ضمّه إلى المناهج، فالغاية توفير روافد فكرية لتعزيز تربية العقل لدى النشء. يجب الاعتراف بأن المكتبة العربية التراثية ليست غنية بما يمكن أن يكون أساساً متيناً لتربية العقل الناقد. لا يظهر الأساس بشكل جليّ إلاّ في كتب المفكرين العرب في القرن العشرين. على مراكز الفكر ذات العلاقة أن تهدي إلى فتيات العرب وفتيانهم، مكتبة تمهيدية تكون مفيدة مثرية للذين سيختارون الأدب، وللذين سيؤْثرون الفلسفة أو العلوم السياسية والاجتماعية. هذه المكتبة ستكون مناهل رائعة لطلاب العلوم، فالعلوم صارت فلسفة العلوم رفيقة دربها. لقد وضع الكثير من قدمائنا أمام العقل والفلسفة عراقيل لا تحصى، ولا أدل على ذلك من وجودها إلى أيامنا: من هم فلاسفتنا في العصر الحديث؟ ما هو تأثير المفكرين العرب؟ عندما يدرس الطالب العربي الفلسفة، يبدأ من اليونان ثم عصر النهضة فالعصر الحديث الغربي.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاستدراكية: ألا يحتاج هذا الشتات الفكري إلى من يجمعه و يرمّمه ويهديه إلى النشء الجديد؟
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد