: آخر تحديث

وطنية إنجازات "أسود الأطلس"

18
14
17
مواضيع ذات صلة

حتى قبل أن يخوض المنتخب المغربي لكرة القدم مباراته الأخيرة على المركز الثالث في مونديال قطر 2022 يمكن القول إنه حلق فوق النجوم في أكبر وأهم مسابقة دولية للعبة. ما حققه المنتخب المغربي خلال المونديال يفوق كل وصف لناحية صعوده الصاروخي نحو التصفيات النصف نهائية، وصولاً إلى التنافس مع منتخب كرواتيا في المربع الذهبي الأخير.

 
ولعل المباراة التي جمعت منتخب المغرب بالمنتخب الفرنسي حامل لقب بطل العالم أثبتت أن صعود "أسود الأطلس" الرائع خلال المسابقة لم يكن وليد الحظ أو ظروف ساعدت المنتخب على تخطي العقبات الواحدة تلو الأخرى، بل إن التفوق المغربي المنقطع النظير كان حقيقة راسخة، ويحسب لها حساب جدي. خسر المغرب المباراة النصف نهائية ضد فرنسا، لكن نادرة هي الخسارات في اللعبة عند هذا المستوى التي يخرج فيها المنتخب الخاسر، وكأنه هو المنتخب الرابح. فقد كان أبدع الفريق المغربي في أدائه وروحه القتالية طوال الدقائق التسعين وأكثر، وخرج كبيراً أمام جمهوره الصغير في مدرجات الملعب في قطر، والكبير في وطنه وفي عشرات البلدان عبر العالم. خرج عمالقة المغرب من المباراة مرفوعي الرأس بعدما أفرحوا عشرات، لا بل مئات الملايين من عشاق اللعبة ومشجعيه الذين كان عددهم يرتفع بعد كل مباراة مئات الأضعاف عن المباراة السابقة. والحقيقة أنه في المباراة الأخيرة كان للخسارة طعم الانتصار والمفخرة على كل ما قدمه لاعبو المنتخب.
 
واليوم، وقبل أن يلعب المنتخب المغربي العظيم مباراته الأخيرة على المركز الثالث، لا بد لنا من وقفة مع بعض الاستنتاجات الأولية التي تتراءى لنا على هامش أداء فريق لا تزال قلوبنا تهتف له.
 
أولاً: العالم بأسره يتفق على أن المنتخب المغربي تعملق في منافسات مونديال قطر، فحاز إعجاب مئات الملايين عبر العالم وحبهم. لكن اللافت أن تنسب الانتصارات تارة إلى الأمة العربية، وتارة إلى الأمة الإسلامية، وتارة ثالثة إلى أفريقيا، ورابعة إلى شعوب العالم النامي في كل مكان. لكن ما نسيه أصحاب نظرية "ربط الملاعب" التي تذكرنا بنظرية "ربط الساحات" الذائعة الصيت في المشرق العربي، أن الانتصار هو أولاً وقبل أي شيء آخر انتصار لفريق المغرب وللمغرب وشعب المغرب بتلاوينه كافة.
 
ثانياً: هي انتصارات لجهد اثنين وعشرين لاعباً ومدربهم ومساعديه. بمعنى أنها انتصارات اللعبة نفسها بمستواها الرياضي. وقد لفتنا أن تكون السياسة قد طغت كما لم يحصل قبلاً على الجانب الرياضي، وأن يكن للرياضة تاريخياً وجه "جيوبوليتيكي". لكن لم يسبق أن تلازم عبر تشجيع فريق كرة قدم الجانب السياسي مع العاطفي إلى هذا الحد، ليترك الجانب الرياضي البحت في المرتبة الأخيرة. فاللعبة هي اللعبة والمنافسة لا تتعدى الإطار الوطني، باعتبار أن المنتخب هو أولاً على صورة بلده وليس على صورة جملة من القضايا والشعارات والظلامات التي حشرت في الملعب.
 
صحيح أني سمعت بعض اللاعبين يهدون بعد وطنهم انتصاراتهم وإنجازاتهم إلى القارة الأفريقية، باعتبار أن المغرب يفتخر بأفريقيته، لكن لم يوسم الإهداء بقضية سياسية بمقدار ما وُسم بمشاعر انتماء إلى أفريقيا. ويمكن القول إن مشاهد الحماسة الشعبية الكبيرة التي خرجت من قلب الجزائر رغم الخلاف السياسي الحاد بين البلدين أثبتت في مكان ما أن عاطفة المجتمعات تتجاوز الظروف السياسية التي تبقى عاملاً متحولاً لا ثابتاً في علاقات الجوار.
 
ثالثاً: كان لافتاً طغيان الجانب العاطفي الخارجي في مقاربة تجربة منتخب المغرب في المونديال، لكن ما سها عن هذا الخارج هو أن المنتخب لم يأت من عدم. فقد كان نتاج سياسات داخلية خطها الملك محمد السادس في المجال الرياضي، ولا سيما كرة القدم القديمة الجذور في المملكة. وفي مقابلة مع الصحافة الرياضية بعد مباراة منتخبه ضد البرتغال، أوضح المدرب وليد الركراكي أن الملك هو من احتضن اللعبة، وأنشأ الأكاديمية التي دربت مئات اللاعبين منذ نعومة الأظفار، ودعم سياسة إنشاء الملاعب والاستادات بالعشرات عبر البلاد، فضلاً عن احتضان اللاعبين القاطنين خارج البلاد وتشجيعهم على العودة للدفاع عن علم بلادهم في اللعبة. هذه عوامل خلقت ظروفاً موضوعية مشجعة للعبة على مستوى البلاد بأسرها. من هنا ميلنا إلى اعتبار أن إنجازات منتخب المغرب هي إنجازات مغربية وللمغرب أولاً وقبل أي شيء آخر. من دون أن تحجب حقيقة أن "أسود الأطلس" سكنوا قلوب مئات الملايين في كل العالم.
 
رابعاً: لم يلعب لاعبو منتخب المغرب في المونديال محمولين بشعارات مستقاة من بروباغاندا الأنظمة العربية التي حكمت العالم العربي منذ خمسينات القرن الماضي. ولم يتعملقوا من أجل إعلاء شعارات الإسلام السياسي المعروفة. فاللعبة لم تكن لعبة المسلمين ضد المسيحيين، ولا العرب ضد الأوروبيين أو اليهود.
 
يقيننا أن اللعبة كانت في قلوب اللاعبين ابنة الروح الرياضية ومناخات التسامح واحترام الاختلاف والتنوع التي تسود في بلادهم نفسها. وفخرهم بأن يكونوا يحملون ألوان المغرب أمام العالم.
 
خلاصة القول أن المرء يغتبط لرؤية هذه الحماسة الرائعة لإنجازات المنتخب المغربي، وهي العابرة للقارات والشعوب. لكن يبقى الأهم أن هؤلاء الأبطال أفرحوا قلوب أمهاتهم وأبناء جلدتهم ورفعوا رأس وطنهم أولاً! 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.