: آخر تحديث

توازن المصالح السياسية والاقتصادية

25
25
28
مواضيع ذات صلة

تطورات الأزمة الأوكرانية أفرزت توجهات ووقائع سياسية واقتصادية وعسكرية لم تكن متوقعة. فمن ناحية تبين أن التنبؤات التي وضعها الغرب لتطور الأزمة الأوكرانية لم تكن واقعية، وفي أحسن الأحوال، مبنية على سيناريو واحد فقط هو: إن العقوبات التي سوف يفرضونها على روسيا سوف تؤدي إلى إحداث تغيرات سياسية كبيرة مواتية لهم في هذا البلد، الأمر الذي سيفتح المجال لهم للتفرغ للصين. فهذا الرهان الذي استولى على لب صناع القرار في عواصم الغرب قد أعمى أبصارهم وجعلهم لا يرون الواقع.

وهكذا، فنحن أمام عدة حقائق، فمنذ نهاية الحرب الباردة وحتى أزمة الرهن العقاري عام 2008م، كانت وجهة نظر الغرب هي التوجه الأساسي Mainstream الذي تدق على وقعه الطبول ويرقص حوله كل العالم، وهذا التوجه طغى، إلى درجة أن العالم أصبح لا يرى الكوارث الناجمة عنه، كما حدث في الشرق الأوسط عام 2011.

ولكن منذ ذلك الحين وميزان التبادل التجاري العالمي صار يتغير، بعد أن بدأت الصين تتحول تدريجياً إلى شريك تجاري رقم 1 لمعظم البلدان، وهذا خلق واقعاً جديداً وتناقضاً بين الشراكة التجارية والتحالفات السياسية. فالتحالفات السياسية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية ومن ثم بعد الحرب الباردة كانت مبنية على أساس ميزان القوى في العالم، الذي على أساسه تم بناء النظام العالمي، ولكن قوة العادة أو القصور الذاتي inertia، أبقت التحالفات العالمية على ما هي عليه حتى بعد عام 2008. ولكن، التناقض بين المصالح الاقتصادية والمصالح السياسية لا يمكن أن يدوم لفترة طويلة. ولذلك، جاءت الأزمة الأوكرانية كمحفز إضافي ليعطل مفعول القصور الذاتي، وينبه البلدان إلى أن النظام العالمي لم يعد كما كان عليه العام 1991.

  ورغم أن الصين لا تحارب مع روسيا في أوكرانيا، فإنه من الواضح الدعم القوي الذي تقدمه بكين لموسكو، وهكذا فعلت الهند، التي ضاعفت وارداتها من النفط الروسي، وهذا أدى إلى خلق توازنات جديدة، بعد أن امتنعت العديد من بلدان العالم عن فرض عقوبات على روسيا، هذه العقوبات التي أدت إلى ارتفاع أسعار مصادر الطاقة والحبوب، مهدداً اقتصاد البلدان الصناعية بالركود وشعوب العالم الفقيرة بالمجاعة وانتشار الأوبئة.

وضمن هذا الاصطفاف، برزت دول مجلس التعاون التي تحولت الصين إلى شريكها التجاري رقم واحد. فهذه الدول، التي 4 منها أعضاء في أوبك، قد قررت التمسك بأوبك+، التي انبثقت من رحم انهيار أسعار النفط عام 2016، واتفاق المملكة وروسيا حينها على التنسيق فيما بينهما. وقد برهنت التطورات اللاحقة أهمية هذا التحالف الجديد، الذي خلق واقعاً جديداً تتوازن فيه المصالح الاقتصادية مع المصالح السياسية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد