: آخر تحديث

هجرات عربية

31
29
32
مواضيع ذات صلة

شيء من التقصي في جذور ساسة وشخصيات عامة في بلدان مختلفة من القارة الأمريكية اللاتينية، على سبيل المثال، سيكشف أن الكثيرين منهم يتحدرون من سلالات عربية؛ حيث هاجر أجدادهم قبل قرنين، وربما أكثر أو أقل، إلى تلك البلدان، وآثروا البقاء فيها، فلم يكتسبوا جنسياتها فحسب، بل لغاتها وثقافاتها وأنماط عيشها أيضاً.

ويُلاحظ أن الهجرة العربية إلى بلدان أمريكا الجنوبية تكاد تنحصر في الشوام، السوريين واللبنانيين وإلى حدٍ ما الفلسطينيين أيضاً، بعد التهجير القسري الذي تعرضوا له في العام 1948، عن وطنهم، لكن بعض من هاجروا من أهل الشام إلى هناك لم يفعلوا ذلك هرباً من حرب، وإنما بحثاً عن فرص أفضل للعيش، وعن حياة أكثر جاذبية من تلك التي كانت في بلدانهم، ليجدوها في بلدان كانت واعدة؛ لذا تحلى أولئك المهاجرون بمقادير من المغامرة والرغبة في الاستكشاف.
وتناولنا هنا مرة شخصيات عربية مهاجرة وردت في الرواية القصيرة لألبرتو مانغويل: «ستيفنسن تحت أشجار النخيل»، تعكس الشغف الذي طبع سلوك أفراد ذلك الجيل العربي الذين قصدوا تلك المناطق البكر، النائية، مع أنه ليس بوسعنا أن نقطع بأن هذا القول ينطبق على كامل الهجرات العربية إلى هناك، فالأمر يقتضي تقصياً ودراسة وبحثاً.
في زمننا العربي الحالي شهدنا ونشهد موجات من الهجرات العربية إلى أوروبا والقارة الأمريكية، وإلى أستراليا وسواها من أراضي الله الواسعة، وبواعث هذه الهجرة لم تعد الرغبة في استكشاف عوالم وأنماط حياة جديدة، ولا بحثاً عن ثروة أو مال، وإنما هي فرار، يمكن وصفه في بعض الحالات بالفرار الجماعي، من حروب ضروس لا تبقي ولا تذر، ومن قمع واستبداد وتسلط، ويتجلى العامل الثاني في حقيقة أن الكثير من المهاجرين العرب هم طاقات إبداعية في الفكر والأدب والفن، لم تعد أوطانهم تتسع لا لهم ولا لإبداعهم.
وحين توفي الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب كتبنا عن عشرات، لا بل مئات، من أسماء المبدعين العراقيين في شتى صنوف الإبداع، الذين رحلوا عن الدنيا بعيداً عن وطنهم ومساقط رأسهم، لتحتوي أراضٍ غريبة ثراهم، وما ينطبق على مبدعي العراق ينطبق على غيرهم من المبدعين العرب المكرهين على الهجرة.
تصادفنا تقارير عن تفوق الجيل الجديد من المهاجرين العرب، والسوريون منهم خير مثال، فالأطفال أو الفتيان، من الجنسين، الذين فروا مع عائلاتهم إلى ألمانيا أو سواها من بلدان أوروبا، التحقوا هناك بمدارسها وتعلموا لغتها وبها درسوا، وسرعان ما أفصح الكثيرون منهم عن قدرات ومواهب في كافة التخصصات، لفتت الأنظار إليهم.
نفخر بذلك طبعاً، لكننا نتأسى على أوطان فرّطت بالأذكياء من أبنائها وبناتها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد