: آخر تحديث

السؤال الدولي الساخن: هل تستمر الهيمنة الأميركية على النظام الدولي؟

33
32
33
مواضيع ذات صلة

لكي نفهم الموقع المحوري لأميركا فلا بد من فهم التاريخ الطويل والممتد الذي سمح لأميركا أن تصبح القوة الدولية الأكثر تأثيراً منذ توحيد أميركا إلى استراتيجية الاحتواء التي خولت أميركا عبر تحالفات ومنظمات سياسية وعسكرية من السيطرة والقوة عبر تجربة تاريخية يستحيل تجاوزها، فالقوة الأميركية تجربة حضارية استطاعت خلال ما يقارب من ثلاثة قرون أن تصبح القوة الأكثر تفرداً في العالم من حيث عناصر القوة العسكرية والاقتصادية والتجارية والجيوسياسية، فمنذ العام 1945م، سعت أميركا إلى الدفاع عن مصالحها عبر بناء مؤسسات اقتصادية ومنظمات أمنية دولية وإقليمية، كما قامت بدعم المحتوى السياسي العالمي بمعايير الديمقراطية والليبرالية، كل ذلك تم من أجل بناء نظام دولي مستدام يمكن أميركا من السيطرة والتحكم بمعايير العالم.

فيما تلا الحرب العالمية الثانية وبعد أن تمكنت أميركا من السيطرة على بنية النظام العالمي أصبحت الأزمة الكبرى التي تواجه أميركا هي في انحسار الفرص لاستخدام قوتها الضاربة، فاتجاه العالم نحو الاستقرار الجيوسياسي كان بشكل مباشر وغير مباشر يتعارض مع سياسة الاحتواء التي جعلت من أميركا قوة ضاربة دولياً، ومع بداية القرن الحادي والعشرين أصبح التحدي الأكبر أمام أميركا مضاعفاً وتحديداً في تعريفها كقوة دولية، وكان السؤال الأكثر أهمية وعمقاً يدور حول الكيفية التي يجب أن يتم من خلالها استخدام كل هذه المعايير المختلفة للقوة الأميركية، ولكن في المقابل كان هناك ضعف في الفرص الدولية لاستخدام هذه القوة كما كان العالم بعد منتصف القرن العشرين، ومع بداية القرن الحادي والعشرين سمحت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لأميركا بالعودة إلى قيادة النظام العالمي عبر غزو أفغانستان ومن ثم العراق ومن ثم محاربة التنظيمات الإسلامية، فالشرق الأوسط كان الوجهة الوحيدة المتبقية في العالم التي تسمح لأميركا باستخدام القوة فيها بشكل مطلق وبلا محاسبة دولية.

القوة العسكرية الأميركية هي السبب الرئيس والوحيد تاريخياً للسيطرة الأميركية، والتاريخ أثبت أن القوة العسكرية الأميركية هي من سمح لأميركا بتمرير سيطرتها التجارية والاقتصادية والجيوسياسية، فالقوة العسكرية الأميركية هي من ساهم في إضفاء طابع مستساغ على أنشطتها المختلفة في العالم، ومع دخول العالم إلى القرن الحادي والعشرين أصبحت الأسئلة أكثر عمقاً فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة وجدت القوة الأميركية من داخلها وخارجها نفسها أمام سؤال جريء يدور حول قدرة أميركا على السيطرة على النظام الدولي والتحكم بنظامه الاقتصادي والجيوسياسي وبالتأكيد العسكري، لقد كانت أحداث العقدين الماضيين الدولية كفيلة بأن تضاعف من كثافة الأسئلة الدولية حول أميركا وقدرتها على البقاء على عرش القوة الدولي.

أميركا اليوم تواجه التحدي الأخطر المتمثل في توصلها إلى أن القوة العسكرية واستخدامها لم يعد الخيار الأنجح أو الوحيد وخاصة أن تجربتها خلال العقدين الماضيين في الشرق الأوسط وأفغانستان أثبتت أن تكاليف القوة أكبر من مكاسبها، فالعالم اليوم أصبح مهيأً لولادة قوى دولية جديدة تمتلك ذات المعايير التي تمتلكها أميركا عسكرياً واقتصادياً وجيوسياسياً، وهذا ما دفع بالسؤال الدولي الساخن حول قدرة أميركا على الاستمرار كلاعب وحيد ومتحكم في النظام الدولي، تاريخياً استخدمت القوة الأميركية مفهوم أمنها القومي للتوسع ونشر قوتها العسكرية، لذلك كانت التفسيرات السياسية للتوسع الأميركي في تثبيت أركان النظام الدولي لصالحها ترتكز على فكرة أمنها القومي، ولكن مع تنامي القوى الدولية الصاعدة أصبحت تكاليف المحافظة على الأمن القومي الأميركي باهظة جداً، وشهد العالم محاولة سياسية أميركية لإعادة التفكير بالتدخلات الأميركية على الخارطة الدولية.

نظرياً مازالت أميركا قوة ضاربة عالمياً وقوة اقتصادية هائلة وقوة ثقافية، ولكن في المقابل أصبحت الصين كذلك وهناك دول تقترب من هذه المعايير بشكل تدريجي روسيا والهند، إذاً لم تعد معايير القوة محتكرة وهذه المساواة الصاعدة هي الأزمة الأكثر تحدياً للعالم، ولعل السؤال الأكثر تأثيراً يدور حول الكيفية التي سيحسم بها شكل النظام العالمي، وخاصة أن الحرب الروسية - الأوكرانية ستكون المنعطف الوحيد المتبقي أمام استمرار الهيمنة الأميركية على النظام الدولي من عدمه، الخيارات الدولية اليوم تقترب من الخيارات الصعبة التي يمكنها أن تذهب بالعالم إلى مساحات حرجة، أو في المقابل تعلن للعالم ولادة نظام دولي مختلف، الحقيقة الوحيدة التي يمكن التنبؤ بها في هذه المرحلة أن السؤال المرتبط بالهيمنة الأميركية على النظام الدولي أصبح قابلاً للمناقشة على المستوى الدولي، ولكن الإجابة عليه تتطلب فهم الكيفية التي سوف يتم بها التفاعل بين القوى الدولية التي يبدو أنها ستضع أميركا أمام خيار وحيد؛ إما المواجهة أو التفاهم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد