تلقي وفاة أليكسي نافالني بثقلها على ضمائر الزعماء الغربيين الذين كانوا بطيئين في إدراك التهديد الذي يشكله الفساد والاستبداد في روسيا. مع ذلك، سيكون الأمر عبثًا إذا لم يحاسب من قتلوه
إيلاف من دبي: كان وعد الرئيس الأميركي جو بايدن بأن موسكو ستواجه "عواقب مدمرة" إذا مات إليكسي نافالني في السجن قبل سبعة أشهر من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا. يقول سام غرين، مدير برنامج المرونة الديمقراطية في مركز تحليل السياسات الأوروبية وأستاذ السياسة الروسية في كينغز كوليدج بلندن: "معظم أنواع العقوبات وغيرها من الاستجابات التي كان يمكن أن تكون مطروحة على الطاولة في أوائل عام 2021، قد تم فرضها بالفعل بحلول أوائل عام 2024، وهي حقيقة من المؤكد أنها أخذت في الحسبان حسابات فلاديمير بوتين الخاصة".
لكن هذا لا يعني أن واشنطن لا تملك أي خيارات. يقول غرين في مقالة نشرها موقع "ناشونال إنترست" الأميركي: "هناك خمس سياسات رئيسية يمكن، إذا تم تنفيذها بشكل متسق وبالتنسيق مع حلفاء أميركا، أن تترك تأثيراً حقيقياً في الكرملين، وفي آفاق فلاديمير بوتين وأولئك الذين يتحدونه، وفي مستقبل السياسة الروسية على المدى الطويل".
عين واشنطن
أولاً، على الولايات المتحدة أن تجعل مصير السجناء السياسيين محورياً في سياستها تجاه روسيا. لم يكن نافالني وحيدًا في زنازين موسكو. تشير تقديرات منظمة "ميموريال" الروسية لحقوق الإنسان، التي اضطرت الآن للعمل من المنفى، إلى وجود نحو 700 شخص محتجزين في السجون الروسية بسبب "شجاعتهم في الوقوف بوجه بوتين وحربه وحملات القمع الداخلي التي يشنها". بين هؤلاء سياسيون معارضون بارزون آخرون، مثل فلاديمير كارا مورزا وإيليا ياشين، وصحفيون مثل إيفان غيرشكوفيتش وألسو كورماشيفا (كلاهما مواطنان أميركيان)، والعديد من الأشخاص أسماؤهم أقل شهرة.
بحسب غرين، على الولايات المتحدة أن تفعل كل ما في وسعها لإبقاء هؤلاء الناس على قيد الحياة، "ففي خلال الحرب الباردة، التذكير المستمر بأن عين واشنطن على السجناء السياسيين في موسكو جعل من الصعب على الكرملين قتلهم. وفي حين أن الدعاية لم تُبق نافالني حيًا، فإن هذا ليس عذراً للتخلي عن البقية".
دعم حقيقي
ثانياً، على صناع القرار السياسي الأميركيين أن يدعموا السجناء السياسيين بقوة مادية حقيقية. وكما توضح دراسة جديدة أجراها مركز تحليل السياسات الأوروبية، "على الرغم من احتمال استبدال بوتين في نهاية المطاف بشخص يريد إعادة بناء الجسور مع الغرب، فإن هياكل وغرائز الاستبداد ستظل قائمة، كما يقول غرين، مضيفًا: "رغم أن دعم الديمقراطية الروسية لن يحل محل دعم السيادة الأوكرانية، فلا بد من أن يكون واضحًا لبوتين ولأي شخص قد يخلفه أنه من غير الممكن تخفيف العقوبات ما دام السجناء السياسيون موجودين".
ثالثًا، على الولايات المتحدة وأوروبا أن تفتحا سبل اللجوء والمأوى للروس الفارين من القمع والحرب. إن إحساس نافالني بالكرامة دفعه إلى تعريض نفسه للخطر، "لكن هذه تضحية لا يمكننا ولا ينبغي لنا أن نطلبها من كل معارضي بوتين، والفشل في توفير الحماية للاجئين السياسيين من روسيا غير مبرر أخلاقيًا وعمليًا".
هزيمة موسكو
رابعًا، على الولايات المتحدة وأوروبا قطع علاقاتهما رسميا مع سلطات إنفاذ القانون الروسية، إلى أن يتم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وتقديم المسؤولين عن وفاة نافالني إلى العدالة. إن غياب الإجراءات القانونية الواجبة، بل وأيضاً غياب الاحترام الأساسي للحياة البشرية، يجعل من روسيا شريكاً غير جدير بالثقة في التعاون في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، والجريمة المنظمة، ومكافحة الإرهاب، وغسل الأموال.
خامسًا وأخيرًا، أوضح طريقة لتكريم إرث نافالني هو التزام هزيمة روسيا عسكرياً في أوكرانيا. يقول غرين: "ربما يميل بعض الأصوات الغربية إلى الاعتقاد أن خفض التصعيد في أوكرانيا يؤدي إلى خفض التصعيد في روسيا ذاتها، وهو ما من شأنه أن يفسح المجال أمام الديمقراطيين. ومن المثير للاهتمام أن لا أحد في المعارضة الديمقراطية في روسيا يعتقد أن هذا صحيح". جادل نافالني نفسه بوضوح أن الديمقراطية لا تترسخ في روسيا ما دامت البلاد متمسكة بطموحاتها الإمبراطورية، وأن هذه الطموحات ستستمر ما دام الكرملين قادرًا على إقناع السكان بأن مغامرته في أوكرانيا كانت ضرورية.
المصدر: "ناشونال إنترست"