نجحت كوريا الشمالية في محاولتها الثالثة لوضع قمر التجسس "مليغيونغ-1" في المدار في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. وبذلك تكون سبقت كوريا الجنوبية التي تعتزم بدورها إطلاق قمر للتجسس في الثلاثين من الشهر الجاري. هذا السباق على الفضاء، سيترك أصداءً على أمن شبه الجزيرة الكورية بمجملها.
الجدير بالملاحظة أن بيونغ يانغ نجحت في محاولتها، بعد زيارة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون في أيلول لروسيا، حيث تفقد هناك برفقة الرئيس فلاديمير بوتين قاعدة فضائية روسية. وبات مؤكداً أن كوريا الشمالية حصلت على مساعدة تقنية روسية في مجال الفضاء، ما أدى إلى تلافي العيوب التي شابت محاولتين سابقتين لم يكتب لهما النجاح في أيار (مايو) وآب (أغسطس) الماضيين.
في المقابل، حصلت روسيا وفق ما تؤكد تقارير استخبارية أميركية على شحنات من القذائف والصواريخ من كوريا الشمالية، لتعويض النقص الذي تعانيه موسكو في الذخائر على الجبهة الأوكرانية.
ولا عجب أن تكون روسيا قد حصلت على قذائف من كوريا الشمالية، في الوقت الذي تزود كوريا الجنوبية، بناءً على طلب أميركي، أوكرانيا بقذائف المدفعية من عيار 155 ملليمتراً التي تعاني الولايات المتحدة والدول الأوروبية نقصاً حاداً في توفيرها، نتيجة حرب الاستنزاف الدائرة في أوكرانيا.
وقد يكون من أشد المفارقات غرابة في الحرب الأوكرانية، أن طرفيها يعتمدان الآن على الذخائر الواردة من الكوريتين.
ويبقى أن السباق إلى الفضاء الذي ابتدأ في شبه الجزيرة الكورية يرفع من نسبة التوتر في المنطقة. وبات في مقدور بيونغ يانغ الآن مراقبة تحركات الجيشين الكوري الجنوبي والأميركي فور حدوثها، وتحديد المواقع المستهدفة في حال نشوب الحرب. كما أن كوريا الجنوبية مهتمة بتتبع تنقلات الجيش الكوري الشمالي، لا سيما أسلحته النووية. ويمكن سيول الاعتماد على الولايات المتحدة في مجال الفضاء. وفي هذا السياق بعثت واشنطن بوحدة من قواتها الفضائية إلى كوريا الجنوبية في 2022. وبعد اجتماع نادر بين وزراء الدفاع الأميركي والياباني والكوري الجنوبي في 12 تشرين الثاني، أعلنت كوريا الجنوبية أن الأطراف الثلاثة ستبدأ التشارك في المعلومات في مجال إطلاق الصواريخ اعتباراً من كانون الأول (ديسمبر).
ومن الطبيعي أن يعزز قمر التجسس الكوري الشمالي الوضع العسكري لبيونغ يانغ. وفي اليوم التالي للإطلاق، سارع كيم جون-أون إلى الاطلاع على صور أرسلها القمر لقواعد عسكرية أميركية في جزيرة غوام.
ورداً على ذلك، علّقت سيول جزئياً اتفاقاً عسكرياً مع بيونغ يانغ من عام 2018، وقالت إنها ستستأنف عمليات المراقبة على حدودهما.
وتعليقاً على الخطوة الكورية الشمالية، اعتبر الأستاذ المساعد في معهد دراسات الشرق الأقصى في جامعة كيونغنام ليم إيول-شول، أن "كيم جونغ أون أظهر رغبته في أن تكون له اليد العليا في التفوق العسكري، من خلال محاولته إطلاق أول قمر اصطناعي للاستطلاع العسكري في مداره قبل كوريا الجنوبية".
لكن المحلل في معهد كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن أنكيت باندا يرى أن القمر الكوري الشمالي على خلاف الاعتقاد السائد، قد يلعب دوراً في تعزيز الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، وذلك لأن من شأنه أن يوفر معلومات عن تحركات القوات الكورية الجنوبية والأميركية، بحيث لا تخطئ بيونغ يانغ في التقديرات عند حدوث هذه التحركات، وذلك كون كوريا الشمالية تمتلك أسلحة نووية، وتهدد باستخدامها إذا شعرت بأن سيول وواشنطن تعتزمان شن غزو في الشمال.
ونظراً إلى الانقسامات الدولية السائدة في العالم بعد حرب أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة لن تتمكن من الاستحصال على أي قرار في مجلس الأمن للضغط على بيونغ يانغ، لأن روسيا ستستخدم حق النقض "الفيتو" ضد أي قرار يندد بكوريا الشمالية أو يسعى إلى فرض المزيد من العقوبات الدولية عليها.