هذا يوم ليس ككل الأيام، إنه يوم استثنائي، بتاريخه، وأحداثه، وواقعه، وما انتهى إليه، ففيه نسترجع ثلاثة قرون مضت وانقضت منذ وُسِمَ ذلك اليوم بأنه يوم الفرسية والفرسان، والرجال الرجال، والبطولات والأبطال العظام، هو يوم راسخ في الذهن، مدوّن بالتاريخ، مَرجع لمن يريد أن يتعرف على الشجعان، ومصدر إلهام لمن يريد أن يبني دولة، ويقيم وطناً، ويعزز مكانة أمته بين الأمم.
هذا إذاً يوم الدولة السعودية الأولى، قصص تُروى, وإنجازات غيّرت مجرى التاريخ، وخارطة طريق، لرسم حدود الدولة، بما أفضى إلى ما نحن عليه اليوم، من تغيير كبير، بفضل تواصل الكفاح من الدولة السعودية الأولى، إلى الثانية، فالثالثة، دون أن يهن العزم، أو يتم الاستسلام، أو يقهر الأبطال، أو ترفع الأعلام البيضاء استسلاماً لخسارة حرب.
هذا اليوم، يوم التأسيس، لدولة مترامية الأطراف، من الخليج العربي إلى البحر الأحمر شرقاً وغرباً، وإلى امتداد طويل شمالاً وجنوباً، بما شكل من المملكة العربية السعودية مساحة قارة، بكل ما تتميز به من موقع جغرافي، ووضع اقتصادي، وتميز بوجود الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وما جعل من المملكة أقدس بقعة على الأرض، حيث تتجه صلوات المسلمين الخمس نحو مكة المكرمة، وحيث إن هذه المدينة المقدسة هي وجهة المسلمين لأداء فريضة الحج.
بدأ الإمام محمد بن سعود رحمه الله جهاده قبل 300 عام في إقامة الدولة السعودية الأولى، وتحديداً فقد تولى في منتصف عام 1139هـ الموافق 22-2-1727م حكم البلاد وعاصمتها الدرعية إلى أن سقطت في عام 1233هـ الموافق 1818م، بسبب المؤامرة الكبرى التي استهدفت هذا الإنجاز العظيم الذي سعى إلى القضاء على الفتن والخلافات والتشتت الذي كان سائداً آنذاك، والعمل على الاهتمام بالاستقرار والأمن والسلام.
وبسقوط الدولة السعودية الأولى، لم يغب الهاجس الوطني والحرص على استعادة الدولة السعودية، والثبات والإصرار في عدم الاستسلام للأعداء في تقويض أركانها نهائياً، فكان أن برز الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود رحمه الله ليعيد الحق إلى نصابه بما سُمّي بالدولة السعودية الثانية خلال فترة لم تتجاوز السنوات السبع منذ سقوط الدولة السعودية الأولى، ما أذهل الأعداء، وجعلها نقطة انطلاقة حقيقية على مواصلة الجهاد مهما كانت التحديات.
ليفتح العالم أنظاره وأسماعه بعد سقوط الدولة السعودية الثانية على مولد الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله عام 1319هـ/ 1902م، مستعيداً حكم آبائه وأجداده، وذلك بعد عشر سنوات من الفراغ بعد سقوط الدولة السعودية الثانية، ما يفسر الإصرار على أن تكون الدولة السعودية متواصلة رغم ما مر بها من مؤامرات وتحديات ومحاولات لثني قادتها عن بلوغ الهدف الأسمى وهو أن تكون بكل مقاييس هذا النجاح المبهر الذي يتواصل تحقيقه إلى اليوم.
لقد أحسن الملك سلمان بن عبدالعزيز صنعاً حين وجّه ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بأن يكون يوم 22 من فبراير من كل عام يوماً للتأسيس، يستذكر فيه المواطنون والأمم الأخرى هذا الإنجاز التاريخي غير المسبوق، ويكون مناسبة للتذكير بالقادة الأبطال الذين حققوا للمواطنين هذا المنجز الكبير، دون أن يضعفوا، أو يتراجعوا، أو يتأثروا بحجم المؤامرات التي كانت تحاك ضد هذا التوسع المشروع في بناء المملكة في كل مرحلة من مراحلها.
إن الاحتفال بيوم التأسيس، هو احتفال بمنجزات هذه الدولة التي مضى على تأسيسها ثلاثة قرون، وامتداداً فهو احتفال بما وصلت إليه البلاد من تقدم ونهضة حتى بلغت ما تتحدث عنه رؤية المملكة 2030 اليوم، وهي سلسلة من الإنجازات تمثل كل مرحلة وكل دولة من الدول الثلاث ما يتناسب ومتطلباتها إلى أن وصلت المملكة إلى ما وصلت إليه، ما يفسر الرؤية السليمة في الإصرار على عدم الاستسلام مهما كلف ذلك من ثمن.