أصبح الكابتن إبراهيم تراوري، الذي يقال عنه بأنه كان تلميذا ذكيا وخجولا، أحدث ضابط يستولي على السلطة في انقلاب عسكري في بوركينا فاسو، إحدى مستعمرات فرنسا السابقة في الغرب الأفريقي.
أطاح تراوري برفيقه السابق، اللفتينانت كولونيل بول-هنري داميبا في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أن اتهم الأخير بعدم الوفاء بتعهده بالقضاء على التمرد الإسلامي التي تشهدها بوركينا فاسو منذ عام 2015.
ولد تراوري عام 1988، أي أنه يبلغ من العمر 34 عاما، ما يجعله أصغر زعيم دولة في أفريقيا، ويضعه في مصاف قائدَي الانقلاب الآخريَن في أفريقيا حاليا، الزعيم الغيني الكارزمي الكولونيل مامادي دومبويا الذي ولد عام 1981، وزعيم مالي الكولونيل أسيمي غويتا المولود في عام 1983.
وقال الكابتن تراوري لمسؤولي حكومة بوركينا فاسو: "أعلم أنني أصغر من معظمكم هنا. إننا لم نكن نريد ما حدث، لكن لم يكن أمامنا خيار".
خلال فترة حكم داميبا القصيرة، تزايد عدد الهجمات التي يشنها إسلاميون - بعضهم على صلة بتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة - حيث تمكن هؤلاء من انتزاع السيطرة على أراض في مناطق ريفية وحاصروا بعض المدن، بحيث أضحت الدولة تسيطر على 60 فقط من مساحة البلاد، وفق بعض التقديرات.
ومع غياب مؤسسات ديمقراطية قوية في بوركينا فاسو التي طالما كان الجيش مهيمنا عليها، سيطر الكابتن تراوري على مقاليد الحكم، متعهدا بتحسين الأوضاع الأمنية في بلد يعيش في خوف من المسلحين.
ويعد الانقلاب الذي تزعمه، والذي كان الثاني في بوركينا فاسو في غضون أقل من 9 أشهر، هو أحدث مثال على "وباء الانقلابات" الذي أثار قلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في عام 2021.
فقد صرح غوتيريش آنذاك قائلا: "أوجه مناشدتي بوجه خاص إلى القوى الكبرى لكي تتعاون وتتحد في إطار مجلس الأمن من أجل ضمان خلق رادع فعال فيما يتعلق بوباء الانقلابات العسكرية".
لكن بسبب تركيز القوى العالمية على أزماتها الداخلية أو الحرب في أوكرانيا فإنها لم تبد الكثير من الاهتمام بحالة عدم الاستقرار التي عصفت ببلدان مثل بوركينا فاسو.
بل إن بوركينا فاسو وبعض البلدان الأخرى وجدت نفسها متورطة بشكل متزايد في منافسات الحرب الباردة التي أشعلها الصراع في أوكرانيا من جديد، مع تنامي المساعي الروسية لبسط نفوذها في المنطقة على حساب فرنسا، التي احتفظت بعلاقات اقتصادية وعسكرية وثقافية وثيقة مع العديد من مستعمراتها السابقة في أفريقيا.
يقول الكابتن تراوري: "أعلم أن فرنسا لا تستطيع أن تتدخل بشكل مباشر في شؤوننا. الأمريكيون هم شركاؤنا حاليا، [لكن] من الممكن أن تكون روسيا أيضا شريكة لنا".
تشير تصريحاته إلى أنه ربما يسير على خطى نظيره المالي، الذي يُزعَم أنه جلب ميليشيات فاغنر الروسية المثيرة للجدل إلى بلاده لتحل محل القوات الفرنسية في محاربة الجهاديين، رغم أنها لم تحقق نجاحا يذكر في هذا الشأن، لا بل اتسعت حركة التمرد هناك أيضا منذ الانقلاب الذي قام به الجيش في أغسطس/آب 2020.
اكتسب الكابتن تراوري خبرته العسكرية الأولى من خلال محاربة الجهاديين في مالي، حيث كان يخدم ضمن قوة الأمم المتحدة هناك، ويقال إنه "أبدى شجاعة" في مواجهة "هجوم معقد" شنه المسلحون عام 2018 في منطقة تيمبوكتو التي تشتهر بمبانيها العتيقة.
في العام التالي، شارك في عملية عسكرية أطلق عليها اسم حركي هو "أوتابوانو" في شرق بوركينا فاسو المضطرب على مدى سبعة شهور. كما خدم أيضا في سرية للجيش ببلدة ماركوي في منطقة الساحل الشمالية، وشارك في عدة عمليات هناك.
ونسبت إذاعة "راديو أوميغا" في بوركينا فاسو إلى مصدر لم تسمه قوله إن "تراوري مقرب من رجاله، يتحلى برباطة الجأش والشجاعة. لم يستطع أبدا أن يفوت أكثر من 6 أشهر دون أن ينضم إلى إحدى سرايا الجيش".
لكن الكابتن تراوري ليس جنرال حرب يحمل أوسمة عسكرية، فهو فقط ضابط برتبة كابتن درس في أكاديمية عسكرية محلية والتحق بالجيش في عام 2009، وتلقى تدريبات في سلاح المدفعية بالمغرب.
اختار المجال العسكري بعد أن أكمل دراسته في مدينة بوبو-ديولاسو، ثاني أكبر مدن بوركينا فاسو، ووصفته بعض التقارير بأنه كان تلميذا "خجولا ومتحفظا إلى حد ما"، ولكن في الوقت نفسه"ذكيا للغاية".
والآن، يجد الكابتن تراوري نفسه في مركز اهتمام دولي، ولا سيما بعد أن ذهب البعض إلى حد تشبيهه بزعيم بوركينا فاسو الثوري توماس سانكارا - وهو أمر ليس مستغربا في بلد يتطلع أهله إلى منقذ، بعد عقود من سوء الحكم.
وكتب موقع واكات سيرا Wakat Sera الإخباري: "تولى إبراهيم تراوري زعامة البلاد، مثل توماس سانكارا، بعد انقلاب عسكري مثله، وهو كابتن بالجيش مثله، ويبلغ من العمر 34 عاما مثله أيضا. فهل هذا من تدابير القدر لبوركينا فاسو التي تبحث عن معالم جديدة؟".