تحت زحف كوابيس المخاوف من حرب نووية، ترددت وبقوة أصوات خبراء استراتيجيين في الغرب، تستبعد نشوب مثل هذه الحرب، وهم يعرضون أسباب رؤيتهم تلك، تحاول أن ترسم صورة أخرى لما هو قادم، في مواجهة من لا يزالون يحذرون من حرب عالمية نووية قادمة.
والذين يستبعدون حرباً عالمية ثالثة، أكثرهم خبراء في الاستراتيجية العسكرية، وهم لا يلقون أمنيات، لكنهم يستندون إلى معلومات يرون وجاهتها.
ويثير الاهتمام ما قيل على ألسنة مسؤولين أمريكيين عن وجود جبهتين يقع في اختصاصهما كيفية التصرف مع حرب نووية قد تكون متوقعة، إحداهما بالبيت الأبيض، والثانية بوزارة الدفاع، ومن بينهما اختلافاً بسبب عدم استعداد البنتاغون لمشاركة الجبهة الأخرى معها في خططها بالغة السرية، بالنسبة للرد على استخدام الأسلحة النووية.
ثم يأتي ما طرحه الذين يستبعدون نشوب حرب نووية، مثل ديفيد سينجر المحلل المتخصص في الاستراتيجية العالمية، وعضو المعهد الملكي للدراسات، ويقول: إن توقع نشوب حرب عالمية ثالثة تتجاوز حدود أوكرانيا، يعد أمراً خارج الاحتمالات.
عدد من الخبراء الذين شاركوا في تقييم هذا الاحتمال، أعربوا عن اعتقادهم بضآلة فرص لجوء الرئيس بوتين إلى استخدام السلاح النووي، حتى وإن كان ينطلق من ناحية سيل من التحذيرات عن أن ترسانته النووية جاهزة للعمل. وهو ما يعبّر عن إحساسه بما يعده تهديداً وجودياً للدولة الروسية، وهذا الوضع أدى بدوره إلى وضع واشنطن في حالة تأهب.
وأوضح خبراء استراتيجيون لشبكة تليفزيون «سي. إن.بي. سي» الأمريكية، أن بوتين يلعب على مشاعر شعوب دول الغرب، ضد التورط في حرب نووية. وهو ما يجعل فرصة نشوبها مستبعدة.
وفي واشنطن أيضاً شارك مختصون بتغطية شؤون وزارة الدفاع لسنوات، في طرح مفهوم يرى أن التصعيد الذي نراه الآن، يمكن أن يلحقه تراجع نحو التهدئة. وإن التحذير من اللجوء إلى السلاح النووي قد يهيئ الأوضاع للدخول في مجال التفاوض، تفادياً للصدام. وممن شاركوا في صياغة هذا المفهوم اريك سميث، وجوليان بيرنز، وهيلين كوبر، وهم من المراسلين المعتمدين في البيت الأبيض.
وهؤلاء كشفوا عن فريق ضم مجموعة من المسؤولين عن الأمن القومي، مهمتهم رسم السيناريو الذي ترد به الولايات المتحدة وحلفاؤها، إذا حدث أن لجأ بوتين إلى السلاح النووي، في حالة يأسه من عدم تحقيق تقدم عسكري في أوكرانيا.
وإن هذا الفريق الذي تشكل من بعد الهجوم الروسي، عُرف باسم فريق النمور Tiger Team، وكان يجتمع ثلاث مرات أسبوعياً، في جلسات سرية. ومهمته تحديد ما هو الرد في حالة توسيع روسيا نطاق الحرب إلى دول مجاورة، بما فيها مولدوفا، وجورجيا، وكيفية إعداد الدول الأوربية لمواجهة تدفق واسع النطاق للاجئين بصورة لم يسبق حدوثها منذ عشرات السنين، وكان جيك سوليفان مستشار الأمن القومي هو الذي وقع مذكرة إنشاء هذا الفريق.
وكما قال صمويل راماني المحلل المختص بالصراع العالمي: أعتقد أن احتمالات نشوب حرب عالمية نووية، تتجاوز حدود أوكرانيا، هو أمر بعيد الاحتمال.
في المقابل كان سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا قد حذر من أنه لا يجب التهوين من أسباب تهدد بحرب نووية. وإن تزويد أمريكا وحلف الناتو لأوكرانيا بالأسلحة المتقدمة يعد مشاركة من الحلف في حرب بالوكالة ضد روسيا.
يبقى سؤال تردد من جانب محللين في الغرب هو: هل يمكن اعتبار قوات دول الغرب غير مشاركة– ولو عن بُعد– في حرب أوكرانيا، وهو يشكل جانباً محورياً من الأزمة بين روسيا والغرب؟
هنا يمكن قراءة ما ذكرته مجلة «نيويوركر» واسعة الاطلاع في خفايا السياسة الأمريكية، من أن أوكرانيا هي في حرب مع روسيا بالوكالة عن أمريكا. وما سبق أن نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عن الدور الذي تقوم به عناصر من وكالة المخابرات المركزية، كمعاون لحكومة أوكرانيا وفي داخلها.
التقديرات المنشورة في الغرب تقول: إنه حتى ولو لم تكن أمريكا وحلف الناتو يشاركون بصورة مباشرة في هذه الحرب، فإن ما يُقدم من دعم عسكري؛ من حيث الحجم والنوعية المتقدمة للسلاح بكافة أنواعه، يشكك في القول بعدم التدخل. ثم إن القوات الروسية في أوكرانيا واجهت أوضاعاً تكشف للجانب الأوكراني، ما يعد من أدق أسرار موقفها العسكري. وهو ما حدث من قيام وكالة المخابرات المركزية، وصور الأقمار الصناعية، بتزويد أوكرانيا بأدق المعلومات عن مواضع القوة، ومواطن الضعف في الحشود الروسية وخطوطها الدفاعية. وإذا لم يكن من الممكن إنزال هزيمة بها، فعلى الأقل الحد من قدراتها ميدانياً.
في هذا المشهد بالغ التعقيد، لاح شبح الإنذار بحرب نووية، وإلا فما معنى عدم التلاقي لمنع حرب مدمرة للطرفين معاً، ليس فيها أي منتصر؟