بغداد: بينما تقف القوى السياسية في العراق وجهاً لوجه في الشارع دفاعاً عن مصالحها، ينتظر مصطفى في متجره في بغداد الزبائن النادرين الذين قد يشترون منه هذا اليوم، مترقّباً بقلق ما إذا كان سيتمكّن من تأمين قوته في مستقبل يزداد غموضاً يوماً بعد يوم.
في محلّه الصغير لملابس الأطفال الكائن في شارع حيوي من شوارع العاصمة، مروحة وحيدة تغيّر أجواء حرّ بغداد الخانق. ويقول الرجل البالغ 40 عاماً "جالسون، لا نعمل، بسبب التظاهرات. هؤلاء خرجوا بتظاهرات وأولئك خرجوا بتظاهرات، والحركة الاقتصادية تأثّرت كثيراً بنسبة 99%".
ويضيف الأب لستة أطفال، فيما جلس ابنه ذو الثمانية أعوام خلفه، يتصفح الهاتف الذكي، "هناك تخوف من احتمال حصول صدامات بينهم، نحن نخشى هذا الأمر" في بلد لم يعرف الهدوء والاستقرار منذ عقود.
وتشهد بغداد اعتصامين مضادين، الأوّل مستمرّ منذ أسبوعين لمناصري التيار الصدري بجوار البرلمان العراقي، والآخر انطلق قبل يوم واحد يقيمه خصوم الصدر في الإطار التنسيقي على أسوار المنطقة الخضراء.
يواصل الطرفان التصعيد بينهما منذ أشهر، وسط مطالبة التيار الصدري بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة. أما الإطار التنسيقي فيرى أن الأولوية هي انعقاد البرلمان وتشكيل حكومة.
لكن هذه الشعارات السياسية لا تعني الكثير لمصطفى الذي يعتبر أن كلاً من الطرفين "يدافع عن مصالحه الخاصة".
ومع الدعوات للانتخابات المبكرة، لا يشعر الرجل بحماسة كبيرة لتكرار أخطاء الماضي. ويقول "انتخبت مرتين فقط في حياتي، وندمت".
يرفع الطرفان شعارات قد تستقطب كثيرين في بلد نسبة البطالة بين الشباب فيه تبلغ نحو 35%، وفق تقرير لمنظمة العمل الدولية في 2021. وبينما يشكّل النفط 90% من إيراداته، يعاني العراق انقطاع الكهرباء والجفاف على وقع تغير مناخي بات مؤثراً على الحياة اليومية للسكان.
ويقول التيار الصدري إنه يريد مكافحة الفساد وتغيير النظام، في حين يطالب مناصرو الإطار التنسيقي بحكومة تؤمن الخدمات الضرورية.
لكن بالنسبة لمصطفى، فإن هذه الأزمة "وهذا التوتر السياسي قائم منذ 19 سنة. منذ العام 2003... لم نرَ سياسياً جيداً حكم هذا البلد".
وتبقى المفارقة بالنسبة للشيوعي علي جابر أن احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019 شهدت قمعاً دامياً أودى بالمئات، فيما نظم معتصمو القوى السياسية التقليدية "بانسيابية" تظاهراتهم.
ويضيف "نحن لم نتمكن حتى من الوصول إلى الخضراء لنوصل صوتنا. هم دخلوا خلال 8 دقائق... أي أن هناك تسهيلا من القوى الأمنية".
صراعٌ سياسي
في الشارع الآن، يرفع الطرفان شعارات "تتفق عليها كل القوى السياسية"، كما يرى جابر، من مكافحة الفساد والانتخابات المبكرة، لكن الفرق أنهما يطرحانها "كشعار لاستهلاك محلي" فقط.
ويرى الرجل أن "الصراع الذي يدور بين القوى السياسية" الآن "ليس صراعاً من أجل بناء الدولة أو المجتمع بل هو صراع سياسي بامتياز من أجل مصالحهم".
ويضيف "حين دخلوا العملية السياسية استحوذوا على مال سياسي وعلى مناصب، وعلى نفوذ وبدأوا يكرسون كل مدخرات الدولة من أجل أحزابهم وبنوا امبراطوريات من المال والنفوذ".
"هم بمكان والشعب بمكان"، كما يقول.
بدأت الأزمة الحالية مع رفض التيار الصدري لمرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الحكومة، لكن الشلل السياسي متواصل منذ 10 أشهر أي منذ الانتخابات البرلمانية المبكرة.
ويضمّ الإطار التنسيقي رئيس الوزراء الأسبق، العدو التاريخي لمقتدى الصدر نوري المالكي، وكتلة الفتح الممثلة للحشد الشعبي، تحالف فصائل مسلحة موالية لإيران.
بالنسبة للمحللة السياسية لهيب هيجل، فإنّ الشارع مقابل الشارع على أسوار الخضراء، "أظهر هشاشة النظام السياسي العراقي في مرحلة ما بعد العام 2003".
غياب الثورة
وترى أن تظاهرات الطرفين "ليست ثورة شعب بقدر ما هي تناحر نخب، بين الصدر وداعميه السياسيين، ضدّ المالكي ومن يدعمونه سياسياً أيضاً".
وتضيف أن "المصلحة العميقة" للنخب "الأوليغارشية" الحاكمة في العراق، "لا تزال نفسها رغم كل الشعارات التي يرفعونها، وهي "الحصول على ما يمكن من مقدّرات الدولة، من أجل توسيع شبكات المحسوبية التي يحتاجون إليها لإعادة انتخابهم".
من متجر أخيه للهواتف في بغداد، يقول أحمد طالب القانون البالغ 23 عاماً "لا اتابع الوضع السياسي كثيرا، لأن ذلك يشعرني بتعب نفسي"، فيما عليه أن يواجه في الحياة اليومية الكثير من المصاعب.
ويضيف "بلا كهرباء نضطر الى أن ننام إلى جانب قالب ثلج... لكن الكهرباء لا تطفأ في البرلمان".
رغم ذلك، يقول الشاب إنه يدعم مقتدى الصدر لأنه "ليست لديه مصلحة سياسية".