كالميكيفكا (Ukraine): في قرية خاضعة للسيطرة الروسية في شرق أوكرانيا، تحيط أطنان من الحبوب بفيكتور مولوتوك، المسؤول عن إدارة مزرعة بات الروس وحدهم زبائنه لشراء منتجاتها.
ويقول ضاحكاً "لن نجوع، هذا أمر مؤكد. أما بالنسبة لأوروبا.. فلست متأكداً".
التقت فرانس برس مولوتوك خلال جولة للصحافيين نظّمها الجيش الروسي في ظل رقابة مشددة.
ويدير مولوتوك مزرعة مساحتها 5500 هكتار في قرية كالميكيفكا، في منطقة لوغانسك في شرق أوكرانيا التي أعلنت موسكو السيطرة عليها كاملة مطلع تموز/يوليو.
ويتجّنب الخوض في أي حديث عن السياسة بينما يؤكد بأن الأمور تسير جيّداً على الصعيد التجاري.
تغيّر أمر واحد، على حد قوله، وهو هوية زبائنه. بات اليوم يبيع الحبوب وبذور دوار الشمس لزبائن روس. وقال "تعمل شركتنا تماماً كما كانت تعمل سابقاً"، مؤكداً أن أياً من العمال لم يغادر.
وقال مولوتوك إنه اضطر للبحث عن خيارات "لوجستية جديدة" وتواصل مع شركات روسية. وأضاف "نبيع لمن يعطينا السعر الأفضل".
"سلة خبز" أوروبا
تعد أوكرانيا التي لطالما أطلق عليها "سلة خبز" أوروبا من أكبر منتجي الحبوب في العالم. وعرقل الغزو الروسي بشكل كبير تصدير الحبوب وأثار مخاوف من أزمة جوع تتجاوز بكثير حدود البلدين المتحاربين.
وعلقت آلاف أطنان الحبوب في الموانئ الأوكرانية منذ أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجومه أواخر شباط/فبراير.
ووقعت كييف وموسكو الجمعة اتفاقاً يسمح بتصدير بين 20 و25 مليون طن من الحبوب العالقة في أوكرانيا. لكن كييف اعلنت السبت أن قصفاً روسياً أصاب أوديسا أكبر موانئ تصدير الحبوب في البحر الأسود.
وتتهم كييف الروس بسرقة محاصيلها في المناطق التي احتلوها لاستخدامها في الاستهلاك المحلي أو إعادة بيعها في الخارج. كما تتهمهم بقصف الحقول بهدف الإضرار بالمحاصيل.
بدورها، تنفي موسكو الاتهامات.
مصير الحبوب
يقول المزارع مولوتوك إنه لا يعرف مصير الحبوب التي يبيعها فور وصولها إلى روسيا، لكنه لا يستبعد بأن تباع إلى بلدان أخرى.
ويؤكد "نبيع عبر تجار إلى روسيا. لا يمكنني تحديد وجهة هذا الإنتاج بشكل مؤكد".
ويضيف "ربما يأخذونها إلى أفريقيا أو آسيا، لا أعرف".
ومنذ مطلع العام، باع 800 طن من بذور دوار الشمس إلى روسيا عبر شركات في أراض يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لروسيا.
ورغم تأكيد العمال أن كالميكيفكا سقطت في أيدي القوات الروسية من دون قتال بينما لم ير فريق فرانس برس أي علامات دمار، إلا أن معارك عنيفة دارت على بعد عشرات الكيلومترات فحسب.
وقال مولوتوك إن المزارعين "سمعوا صدى المدفعية" خلال المعارك التي استمرت لأسابيع للسيطرة على ليسيتشانسك، المدينة التي سقطت في قبضة قوات موسكو مطلع تموز/يوليو.
من جهته، أفاد عامل موسمي يبلغ من العمر 21 عاماً فضّل الاكتفاء بالتعريف عن نفسه باسم ألكسندر إن حالة "ذعر" سادت القرية مع بدء التدخل الروسي.
لكن الناس "اعتادوا" الآن على تواجد الجيش الروسي، وفق ما قال وهو يكنس بضع حبات قمح من الأرض.
وقال ألكسندر الذي يتحدث مزيجاً من الروسية والأوكرانية (وهو السائد في المنطقة) إنه حصل على وعد بأن يتم دفع راتبه بالروبل، لكنه لا يعرف كم سيكون أجره.
ورغم أنها كانت في منأى عن المواجهات المسلحة، تعاني محاصيل المزرعة من انخفاض معدل هطول الأمطار إذ تراجع الإنتاج بحوالى 15 في المئة مقارنة بالعام السابق، بحسب تقديرات مولوتوك.
حقول القمح والذرة
وعلى بعد 600 كلم في منطقة زابوريجيا (جنوب شرق) الخاضعة جزئياً لسيطرة القوات الروسية، تمتد حقول القمح على مد النظر.
وتحصد آلة الذرة. وتفرّغ شاحنات حمولتها في باحات صناعية في مدينة ميليتوبول التي سقطت في أيدي القوات الروسية في الأسبوع الأول من الهجوم الروسي.
وفي معمل في المدينة، تجري معالجة القمح لتحويله إلى طحين.
ويملأ موظفون يضعون كمامات وربطات رأس أكياساً بالمسحوق الأبيض ويصفونها أمام بعضها البعض ليتم نقلها.
وتملأ ميليتوبول الأعلام الروسية ولافتات كتب عليها "220 عاماً كمحافظة تورديا"، في تذكير بأن المنطقة كانت يوماً جزءاً من الإمبراطورية الروسية.
وبدا رئيس إدارة منطقة ميليتوبول الموالي لروسيا أنديه سيغوتا راضياً عن عمليات معمل الطحين. وقال وقد وضع شارة "زد" (رمز الجيش الروسي الذي يقاتل في أوكرانيا) على سترته إن مخازن الحبوب المحلية وقّعت اتفاقاً مع السلطات.
وأوضح "أسسنا شركة حبوب مملوكة للدولة تشتري من كافة المخازن في المنطقة"، مؤكدًا أن الأولوية بالنسبة له الآن "الأمن الغذائي في المنطقة".
وتابع "بعد ذلك، سيتم تحديد الكميات والجهة التي سنبيع إليها".