التقارب التركي مع دول عربية ثم مع إسرائيل، سيخلق مناخاً سياسياً جديداً قد لا يسمح للإسلام السياسي العربي، أي جماعة الإخوان المسلمين العمل انطلاقاً من تركيا. فالحسابات التركية بين الخسائر والأرباح تتجه نحو الأرباح من خلال تصفير الخلافات مع الدول العربية المتضررة من الأنشطة الإخوانية. ثم تضاف إليها إسرائيل التي ظلت علاقاتها التجارية قائمة مع تركيا رغم انقطاع التبادل السياسي وعينت تركيا سفيراً لها في تل أبيب.
نقطة الضعف في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين هي تحالفاتهم الخاطئة منذ بداية تأسيس الجماعة في الإسماعيلية بدعم بريطاني، حيث ظلوا على وفاق مع الاحتلال البريطاني. وبعد الثورة ضد نظام الملك فاروق أيدوها،وعندما لم يسيطروا عليها انقلبوا وتآمروا عليها واتخذوا من لندن مقراً لهم بتسهيلات من المخابرات البريطانية التي صارت تعمل باسمهم ضد النظام الناصري باعتباره شيوعياً حسب زعمهم،كما وجدوا ملاجئ لهم في الدول التي كانت على خلاف مع عبد الناصر.
وبعد وفاة عبد الناصر تحالفوا مع السادات الذي استخدمهم لمواجهة الاتحاد الاشتراكي، ومن بطنهم لاحقاً خرجت جماعات متطرفة، من بينها التنظيم الذي اغتال السادات نفسه. بالنسبة لحركة حماس فإنها مارست الخطأ نفسه في التحالف مع الحكم العسكري الإسرائيلي في نهاية السبعينات، ومنح الحكم العسكري لقادة التيار الإخواني في غزة ( المجمع الإسلامي) تسهيلات لإدخال وجمع تبرعات من الخارج. لاحقاً تحالفت حماس مع سوريا ومن ثم مع إيران، لكن شهر العسل السوري انفض بعد اندلاع ما يسمى«الربيع العربي» وظن تيار الإخوان أنه على وشك الإمساك بزمام الأمور في العالم العربي كله مستفيداً من الدعم الأمريكي. وكان للسياسة التركية في حينه من حيث احتضان الجماعات المسلحة في سوريا بدعم غربي بائن، ولوجود مصالح لتركيا ضمن الوطن السوري أثر في انتقال الثقل الإخواني خاصة بعد ثورة يناير المصرية إلى تركيا.
أدركت تركيا أن خلافاتها مع بعض الدول العربية عادت عليها بالخسارة الاقتصادية في مجالات السياحة والتجارة والاستثمار العربي الوفير فيها، وأن أوروبا التي تنتمي إليها كعضو في حلف الناتو تعاملها كدولة من الطبقة الثانية، فالمشرق العربي أضمن لها. كما فقدت موقعها الجغرافي كمعبر للغاز بعد انتهاء العمل بمشروع السيل الشمالي من روسيا نحو شمال أوروبا، فكان العمل على تصفير الخلافات مع الدول العربية التي ستكون العلاقات معها ذات منفعة متبادلة تنتشل الاقتصاد التركي من أزمته وتفتح مجالات للاستثمار الخليجي،ناهيك عن المكاسب السياسية للأمن الإقليمي لدول المنطقة.
الآن ستحاول تركيا تهدئة الخلافات بين فتح وحماس، حيث أوفدت مبعوثاً إلى رام الله لإيجاد مخرج نحو المصالحة، أو تهدئة الأمور بين إسرائيل وحماس،فالظروف بالنسبة لحماس تبدو ضاغطة، فتحالفاتها تبقى مؤقتة مع حلفائها، وعندما تنتهي مهمتها ينتهي التحالف. فتركيا تعلم أن الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران سيترك حماس في العراء، ولعلها تبحث عن ثوب فلسطيني لسترها أو تهدئة مع إسرائيل وكأنها تعلن أن مرحلة الإسلام السياسي العربي انتهت بالفشل.