يشغل فكر إريك زمور، نجم محطات التلفزيون الشهير واليميني المتشدد والمرشح الرئاسي عدد من القضايا ومعظمها تتعلق بالهجرة والإسلام.
ولكن هناك موضوع آخر تبدو آراؤه حوله غير عادية وليست أقل إثارة للجدل، خاصة كونه يهودي فرنسي، ألا وهو موضوع حكومة فيشي الفرنسية التي تعاونت مع ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.
لطالما دافع زمور، عن الرواية التي تقلل من ذنب فيليب بيتان، رئيس حكومة فيشي، في عمليات ترحيل اليهود الفرنسيين إلى معسكرات الاعتقال النازية.
ويجادل زمور بأن حكومة فيشي لم تبذل جهودا تذكر بهدف وقف ترحيل اليهود غير الفرنسيين (الوافدون وقتذاك حديثاً من أوروبا الشرقية، وكان عددهم كبير جداً)، إلا أن الأمر كان مختلفاً فيما يتعلق باليهود الفرنسيين.
فيما يتعلق باليهود الفرنسيين، يقول زمور إنه كانت لدى حكومة فيشي شعور معين بالمسؤولية القانونية عنهم، وحيثما أمكنها تفاوضت مع ألمانيا النازية لإبقائهم في فرنسا.
والنتيجة كانت، حسب قوله، هي أنه بينما تم ترحيل 40 في المئة من اليهود غير الفرنسيين وكانت نهاية اغلبهم القتل، فإن نسبة من تم ترحيلهم من اليهود الفرنسيين كانت 10 في المئة فقط.
وقد تم ترحيل معظمهم في العام الأخير من الاحتلال النازي، عندما استولت ألمانيا على الشطر الجنوبي من فرنسا.
ونجا حوالي 75 في المئة من إجمالي اليهود في فرنسا الذين كان يبلغ عددهم 330 ألفاً، فرنسيين وغير فرنسيين، وهي نسبة أعلى بكثير مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى التي وقعت تحت الاحتلال النازي.
من هو الصحفي اليميني المتطرف الذي ينافس ماكرون في الانتخابات الرئاسية
فرنسا تكشف عن وثائق ترجع لفترة فيشي والاحتلال النازي
موريل غاردنر: الثرية الليبرالية التي أنقذت حياة عدد لا يحصى من البشر
يوم الباستيل: عندما امتزج السلام بالثورة الفرنسية
تم ترحيل حوالي 75 ألف يهودي من فرنسا إلى معسكرات الإعتقال، حوالي 24 ألف منهم كانوا من اليهود الفرنسيين. قُتل جميعهم ولم ينج منهم سوى بضعة آلاف.
إن وصف آراء زمور بأنها مثيرة للجدل هو أقل ما يمكن ان توصف بها، فهي تتناقض مع الرواية التاريخية السائدة وكذلك مع آراء معظم الفرنسيين.
ومنذ أن أقر الرئيس جاك شيراك عام 1995 بمسؤولية الدولة الفرنسية في المساهمة بتسريع الهولوكوست، قليلون شككوا في تواطؤ حكومة فيشي في قتل اليهود.
لذلك، بالنسبة لمراقبي المشهد السياسي اليوم، حيث يبدو أن إريك زمور يتجه نحو الترشح للرئاسة ويرجح نيله حوالي 12 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى، فإن السؤال الأهم هو: ما الذي يدفعه لاتخاذ هذا الموقف؟.
بالنسبة للغالبية العظمى من الفرنسيين، فإن الجدل حول فيشي قد حُسم منذ فترة طويلة، وليس في صالح من يعارض الرواية المعتمدة إثارة ما قامت به حكومة فيشي. فلماذا استحضار تلك الفترة الآن؟
الجواب له علاقة مباشرة بعقلية زمور كصحفي ومؤرخ ومفكر وليس الجانب السياسي لديه.
نظرية ما بعد الحرب التي تم دحضها
قبل كل شيء، من المهم التأكيد أن زمور ليس الوحيد الذي لديه هكذه. قبل سبعينيات القرن الماضي، طرح العديد من المؤرخين فكرة ما يسمى بـ "السيف والدرع" في حديثهم عن فترة الحرب العالمية الثانية في فرنسا، حيث كان الجنرال شارل ديغول بمثابة السيف، يستعد لتحرير فرنسا، وبيتان كان بمثابة الدرع الذي يحمي الناس من أسوأ فترات الاحتلال النازي حسب رأيهم.
وتم فضح ودحض هذه النظرية من قبل المؤرخ الأمريكي روبرت باكستون وخبير الهولوكوست الفرنسي سيرج كلارسفيلد، اللذان وجدا أن حكومة فيشي تعاونت على نطاق واسع ونشط في عمليات الترحيل.
وجهة نظرهما هي السائدة حالياً، لكن هناك معارضون أيضاً. أحدهما هو المؤرخ الفرنسي الإسرائيلي آلان ميشيل، الذي يقول إن زمور محق تماماً في تحدي الأرثوذكسية الفكرية الحديثة.
ويقول: "إن انتهاج سياسة معادية للسامية ليس مثل الرغبة في تدمير اليهود". "وهذا هو الخطأ الأساسي لباكستون وكلارسفيلد. إنهما يعتقدان أنه إذا كنت معادياً للسامية، فأنت قاتل لليهود حتماً".
"عليك أن تفصل بين الأمرين، بالطبع كانت حكومة فيشي معادية للسامية، إلا أن ذلك لا يعني أنها أرادت إبادة اليهود".
"إنه ليس رجل سياسة"
أحد أسباب إثارة زمور قضية فيشي هو أنه مثير للجدل من حيث المبدأ. إنه ينغمس في الجدل الفكري ويعرف أن أكثر ما يسعده هو تبني الموقف المعارض.
يقول جان سيباستيان فيرجو، من موقع أتلانتيكو الإلكتروني: "يحب زمور أن يكون على حق، يفضل الانتصار في النقاش بدلاً من إقناع الناس بالوقوف إلى جانبه، ولهذا السبب فهو ليس رجل سياسة".
لكن زمور على وشك أن يصبح سياسياً أو هكذا جعلنا نصدق. لذلك ربما هناك عبرة ما في إثارته لموضوع فيشي.
بالنسبة للمعلق السياسي بيير هاسكي، الأمر بسيط، فهو يعتقد أن زمور ما هو إلا دونالد ترامب الفرنسي.
ويقول: "لقد تعلم زمور من ترامب أن يكون شخصاً مثيراً للغضب وبالتالي احتلال مساحة كبيرة في الفضاء السياسي. يمكنه أن يقول أكثر الأشياء غرابة عن فيشي ولا أحد يهتم إن كانت حقيقة أم خيال. لكن هذا يمنحه فرصة تحديد محاور النقاش".
وهناك تفسير آخر وهو أنه ربما من خلال هدم أحد القناعات الراسخة في فرنسا، يريد زمور أن يظهر أنه لا يهمه الإجماع السياسي، وأنه مستعد لاتخاذ خطوات جذرية في المسألة التي تهمه في المقام الأول وهي الهجرة.
وليس هناك قناعة راسخة بين الفرنسيين أكبر من مقولة أن ديغول يمثل الخير وبيتان يمثل الشر، وهذا الموقف يروق للكثيرين من اليمين.
أو ربما كما يقول جان سيباستيان فيرجو، أن الأمر أكثر بساطة.
"إنه ليس سوى شخصية صريحة ومباشرة. إنه بالفعل من أقصى اليمين. إنه من أنصار التقاليد الأيديولوجية الراسخة في فرنسا التي وضع اسسها المفكر اليميني المعادي للسامية شارلز موراس في أوائل القرن العشرين".
وهذا واضح، حسب اعتقاده، سواء أكان زمور يتحدث عن فيشي أم عن المقاومة الفرنسية أم عن الضابط اليهودي ألبرت دريفوس الذي أدين خطأ بالخيانة.
ويقول: "إنه تيار فكري قومي فقد المصداقية أخلاقياً في فرنسا. وهو يريد إعادته إلى الحياة".
"كاستراتيجية سياسية، إنها غريبة تماماً لأنه لا يوجد أي دليل أو مؤشر أن هذا ما يريده الناس".