لقد وعت القيادة السياسية السعودية منذ أكثر من تسعة عقود، أن جزءًا من محوريتها يكمن في بناء دولة قوية راسخة داخليًا، وفاعلة خارجيًا، وهو ما تطلب منها رسم منهجية عميقة، للموازنة بين مصالحها المحلية وواجباتها الإقليمية..
قبل الإجابة عن السؤال الوارد في العنوان، أعتقد أنه من المهم توصيف ماهية الدولة المحورية، وبالنظر إلى ما طرحه خبراء ومنظرو السياسات الخارجية في فلسفاتهم الفكرية ومقالاتهم التحليلية المتعمقة، عن هذا الموضوع، فإن أهم مواصفاتها، قدراتها الاقتصادية الكبيرة، وتأثيراتها السياسية العابرة للحدود على المستويين الإقليمي والدولي، وعدم انكفائها داخليًا على حساب إدارة ملفات الإقليم المحيط بها، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي الاستراتيجي، ناهيك عن ارتكاز موقعها الحساس على خريطة الجغرافيا السياسية، باختصار شديد هي "دولة فاعلة ومؤثرة".
خبراء السياسة يُعرفون الدولة المحورية، بأنها تلك الدولة التي تكون في بقعة جغرافية ساخنة، فهي لا تحدد مصير إقليمها فقط، بل إنها توثر أيضاً على الاستقرار العالمي، وتُعد المحرك الأساسي لحماية الإقليم الذي تقع فيه وتصون أمنه واستقرار سكانه.
وعند النظر إلى الأحداث التي مرت على منطقتنا خلال العقد الأخير، في "مصر"، و"اليمن"، و"سورية"، و"العراق"، و"ليبيا"، و"السودان"، و"تونس"، و"لبنان"، وغيرها من الأزمات السياسية، إضافة إلى تشابك وتعقد الملفات الإقليمية خاصة مع الإيرانيين، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على محورية الدولة السعودية، التي كانت -وما زالت- تتجه لها البوصلة إقليميًا ودولياً للإسهام في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي على مستوى المنطقة والعالم أجمع.
لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن نضع هذا المقال ضمن حالة الاستقراء التاريخي فقط؛ لأن على السعوديين والجيل الجديد من أبنائنا، استيعاب مركزية ومحورية دولتهم، وهم يحتفلون بتوحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- باليوم الوطني السعودي الـ 91، الذي يُعد مفصلًا مهمًا لفهم الأمن والأمان والاستقرار الذي نعيشه والدور المنوط بدولتهم لاستدامة السلام في المنطقة والعالم.
لقد وعت القيادة السياسية السعودية منذ أكثر من تسعة عقود، أن جزءًا من محوريتها يكمن في بناء دولة قوية راسخة داخليًا، وفاعلة خارجيًا، وهو ما تطلب منها رسم منهجية عميقة، للموازنة بين مصالحها المحلية وواجباتها الإقليمية، لذلك هي حاضرة بقوة ولا يمكن استبعادها عندما يناط الأمر بالاستقرار السياسي والاقتصادي العالمي، لذلك من الجفاء وصفها بأنها دولة نفطية فقط لا غير، بل هي دولة راسخة استطاعت تأسيس نفسها ثلاث مرات بعد كل محاولة للنيل من مصيرها، وهي بذلك تمتلك شرعية قوية متأصلة لدى شعبها، والأحداث المتلاحقة خير شاهد على ذلك.
جزء حيوي لفهم مركزية السعودية، هو إعادة استقراء بعض جوانب التاريخ السياسي الحديث، للتأكيد على محوريتها، فاستطاعت بفضل منهجيتها وقوتها المتوازنة والحكيمة، تجاوز العديد من التقلبات والأزمات السياسية المربكة، والخروج منها بشكل أقوى من السابق، من زمن ثورات وانقلابات خمسينات الشرق الأوسط، التي أطاحت بالدول تلو الدول، إلى جانب وقوفها بوجه التمدد السوفيتي في المنطقة ودحره في أفغانستان في سبعينات القرن الماضي، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، كما أنها واجهت بجسارة تصدير الثورة الإيرانية الخمينية في الثمانينات، واستمرت في دعم الأمن العالمي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولاحقت مرتكبي الإرهاب والأيديولوجيات الداعمة لها، وفككت مفاصل قوتهم عمليًا، وليس ذلك فحسب بل سعت جاهدة لتأمين الأمن القومي في المنطقة، من التدخلات الإقليمية التوسعية في المنطقة، ومن ذلك استجابتها للحكومة الشرعية في اليمن، بموجب قرار مجلس الأمن رقم (2216)، ودخولها عسكريًا لتخليصها من التهديد الانقلابي الحوثي المدعوم من طهران، وغيرها من الأحداث الأخرى التي أمنت فيها المنطقة، ولا يتسع المجال لذكرها هنا. كانت السعودية -وما زالت- وجهة العرب والمسلمين، وتوحيد كلمتهم، وحماية الوجود العربي والخليجي من التدخلات والمشاريع التوسعية للدول الأخرى، بل حتى الدول الكبرى لا يمكنها ضمان مستقبل وأمن هذه المنطقة الحيوية من دون الرؤية السعودية؛ التي تمتلك ثقلا استراتيجيًا كبيرًا، وأحد أهم أقوى 20 اقتصادا على مستوى العالم.
لا يمكن من خلال مقال واحد تقديم الرؤى الكاملة عن محورية الدولة السعودية، لكن أحد المرتكزات التي عملت عليها القيادة في السنوات الأخيرة وتحديدًا منذ إبريل 2016، هو إعطاء محورها أهمية كبرى، من خلال الإعلان عن رؤية 2030، التي زادت من فاعليتها داخليًا وخارجيًا، وأسهمت في تدعيم متانتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، من خلال تنويع قوتها الناعمة والمادية على حد سواء.. كل عام والمملكة العربية السعودية وقيادتها وشعبها بألف خير.