تعتبر عائلة الصانع من الأسر ذات الذكر المتكرر في تاريخ منطقة الخليج العربي وعلاقتها مع العراق والهند. فهي أولاً ذات جذور نجدية ترجع إلى مدينة المجمعة بروضة سدير ويعود نسبها إلى الدهامشة من عشيرة العمارات من وائل من قبيلة عنزة، وهي ثانيًا من الأسر التي انتقلت من موطنها الأصلي في نجد للعيش ما بين الكويت والبصرة والزبير، وهي ثالثًا من الأسر التي عمل بعض أفرادها في التجارة بالبحرين. ومن جهة رابعة كانت لعدد من أبناء الأسرة علاقات ومغامرات تجارية وبحرية مع الهند. علاوة على ذلك برز من آل الصانع شخصيات سياسية وتربوية وأدبية ودبلوماسية.
وعند الحديث المفصل عن هذه الأسرة لا مناص من التوقف أولاً عند أحمد باشا بن عبدالعزيز بن أحمد بن ناصر بن محمد الصانع، وهو أخ لأحمد بن ناصر بن أحمد بن ناصر الصانع الذي كان أميرًا على إقليم سدير زمن الإمام تركي بن عبدالله آل سعود، حيث عينه الأخير في هذا المنصب عام 1829 خلفًا لأميرها السابق إبن عبدان.
ولد أحمد باشا في الكويت عام 1860 وعاش في الزبير وتوفي ودفن في البصرة عام 1927 أو 1930، درس الحقوق في اسطنبول وتقلد عددًا من المناصب القضائية وانتخب عضوًا في مجلس ولاية البصرة زمن الحكم العثماني. وحينما ساءت العلاقة بين الدولة العثمانية وحاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح لعب دورًا في المصالحة بين الطرفين وتسوية خلافاتهما ما جعل الأتراك يكافئونه بالباشوية سنة 1916. كان أحمد باشا الصانع من كبار وجهاء وأعيان جنوب العراق بدليل أن فيصل بن الحسين حينما كان في طريقه لتولي عرش العراق سنة 1921 سكن في داره، خصوصًا وأنه كان على علاقة جيدة بالأنجليز، ما جعل الإنجليز يعينونه في منصب متصرف البصرة خلال فترة احتلالهم للمدينة. وبعد تأسيس المملكة العراقية سنة 1921 عين في مجلس الأعيان وتم منحه أيضًا منصب وزير بدون حقيبة في أول حكومة عراقية برئاسة عبدالرحمن النقيب، لكنه فضل عليه منصب متصرف لواء البصرة الذي شغله ما بين عامي 1920 و1927. وقبل وفاته بفترة قصيرة استقال من مجلس الأعيان بسبب معاناته من أمراض القلب، علمًا بأن والده عبدالعزيز (توفي عام 1897) كان من ملاك الأراضي المعروفين ورئيسًا لبلدية البصرة.
ترك أحمد باشا الصانع وراءه سبعة أبناء (محمد، عبدالله، كمال، جمال، علي، توفيق، داوود)، لكن أشهرهم هو «عبدالله بك الصانع» الذي درس الحقوق ودخل في خدمة الانجليز كوالده فعينوه في عام 1914 معاونًا للحاكم السياسي للبصرة. كان عبدالله ألمعيًا وحازمًا فأحبه الملك فيصل الأول وقربه وعينه متصرفًا لعدة ألوية عراقية، بدءًا من لواء الديوانية فالكوت فالعمارة فالموصل وانتهاء بلواء بغداد قبل أن يعينه مديرًا عامًا بوزارة الداخلية، لكنه لقي عبدالله مصرعه في مطلع ثلاثينات القرن العشرين في قصة تداولتها الصحافة داخل العراق وخارجها بسبب مأساويتها. فطبقا لمجلة اللطائف المصرية ومجلة كاردينبا العراقية تقدم لخطبة فتاة من آل السعدون أمراء المنتفق بتشجيع من الملك فيصل الأول، لكن ذويها رفضوا الزيجة وتحدوها وأقسموا ألا تتم لأسباب عشائرية ولكراهيتهم لأسرة العريس بسبب عملها في خدمة الإنجليز. وانتهت القصة بقيام الشيخ عبدالله بك الفالح السعدون شيخ مشايخ المنتفق بالذهاب إلى مكتب عبدالله الصانع بوزارة الداخلية واطلاق النار عليه من مسدسه، فحكم على الأخير بالإعدام، لكن الملك فيصل خفض الحكم إلى السجن استجابة لتدخلات شيوخ وحكام الجزيرة العربية، وقيل أيضًا مراعاة لكبر سنه ومقامه العشائري.
ومن أبناء أحمد باشا الصانع الذين نبغوا علميًا إبنه الأصغر داوود. وهذا ولد في البصرة عام 1928 وأكمل بها مراحل دراسته قبل أن يدخل الكلية الملكية الطبية ببغداد ويتخرج منها طبيبًا جراحًا عام 1951. وفي عام 1962 حصل على دكتوراه الفلسفة في الفيزياء من جامعة لندن، فعاد على إثر ذلك إلى العراق ليشغل مذاك وحتى وفاته عام 2012 وظائف ومسؤوليات علمية كثيرة نجح من خلالها في تأسيس وقيادة كليات الطب في جامعات الموصل والبصرة والمستنصرية والكوفة، علاوة على إشرافه على كليتي العلوم والهندسة بجامعة الموصل، ورئاسته لهيئة كلية طب بغداد، وإدارته لمستشفى اليرموك التعليمي.
فيما خصَّ آل الصانع الكويتيين فإنهم أكثر من عائلة، تختلف أنسابهم وتواريخ نزوحهم ومساكنهم في الكويت، لكن ما يهمنا هنا أولئك الذين نزحوا إليها من روضة سدير في منتصف القرن الثامن عشر وسكنوا أولاً منطقة الوسط من العاصمة قبل أن ينتقلوا إلى منطقة الجبلة (القبلة) بسبب التوسع العمراني، حيث تصاهروا مع العديد من الأسر الكويتية المعروفة. ومن أبرزهم «عبدالله بن علي بن حمود الصانع» الذي نبغ في مجال السياسة والأدب والتأريخ والإدارة، وتميز بفصاحة اللسان وبلاغة القول والاطلاع الواسع والمساهمات العديدة في الحركة الثقافية والفكرية في الكويت والخليج. ولد عبدالله هذا في الكويت عام 1902 وتوفي عام 1952، ودرس لدى الشيخ سعد الجراح والشيخ عبدالعزيز الرشيد (مؤرخ الكويت) والشيخ يوسف بن عيسى القناعي، قبل أن يقحمه والده مبكرًا في مجال التجارة عن طريق توظيفه لدى أحد التجار المحليين.
وبعد سنوات من التنقل ما بين مسقط ودبي والشارقة والهند للتجارة قرر أن يستقر في الكويت بدءا من عام 1944، حيث راح ينشر بحوثًا في الأدب والشعر والتاريخ والأنساب والسياسة في مجلات الكويت وكاظمة والبعثة والرائد واليقظة، جادل من خلالها بعض المستشرقين ورد فيها أيضًا على بعض الكتاب العرب من أمثال جورجي زيدان، ناهيك عن دعوته إلى الوحدة والوطنية في مواجهة الاستعمار. وبسبب جهوده هذه قال عنه الأديب والشاعر العماني «عبدالله الطائي» بأنه من الأدباء الذين أثروا في نهضة الخليج ولاسيما عمان لأنه أولع بشؤونها على مدى 30 عامًا، كما أطلق عليه الشيخ جابر العلي السالم الصباح لقب «أديب الكويت وسفيرها في الخليج»، وأهداه حاكم الشارقة الأسبق الشيخ صقر بن سلطان القاسمي خنجرًا ذهبيًا. ومن المناصب التي تولاها عضوية النادي الأدبي الكويتي الذي تأسس عام 1924، وعضوية مجلس المعارف الأول عام 1936، ورئاسة تحرير مجلة «الكويت» سنة 1950، وإدارة دائرة تسجيل أملاك إمارة الكويت عام 1952، وعضوية مجلس الشعب المنتخب عام 1952 برئاسة الشيخ عبدالله الجابر الصباح، ووظيفة نائب مسؤول الحرس والأمن في منطقة السيف. كما عين الرجل في العشرينات مستشارًا في ديوان الشيخ مانع بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي آنذاك، وربطته علاقات وثيقة مع شيوخ دبي وأبوظبي والشارقة وسلطان عمان الأسبق سعيد بن تيمور.
ومنهم أيضًا عبدالحميد بن عبدالعزيز الصانع الذي ولد عام 1894 وتوفي عام 1976، وهو أديب ومؤرخ ومن رجالات الدولة القدامى، وصاحب امتياز مجلة «كاظمة» التي صدرت عام 1948، وانتخب لعضوية مجلس المعارف سنة 1952. عمل في بداية حياته في تجارة الأرز والسكر، ثم اشتغل في تجارة اللؤلؤ. عين في الثلاثينات رئيسا لأحد أقسام الجمارك لينتقل من هذه الوظيفة في الاربعينات إلى إدارة المياه التي كانت ملكيتها آنذاك مناصفة بين الحكومة والقطاع الخاص براتب 40 روبية علاوة على جزء عيني من بركة الماء ونسبة من الرطب. كما عمل في القضاء وعين مديرًا للبلدية ما بين عامي 1948 و 1950، حيث كان يصرف من ميزانيتها على الفقراء، الأمر الذي جعل البعض يتهمه بالسرقة لكن الشيخ عبدالله السالم وقف إلى جانبه وأنصفه، وعينه مديرًا للصحة وعضوًا بمجلس الصحة، ثم صار عضوا في هيئة التنظيم لإدارة شؤون الكويت من عام 1959 حتى 1962، فعضوًا في لجنة كتابة تاريخ الكويت. ومن مآثره مشاركته مع الشيخ يوسف بن عيسى القناعي في تأسيس أول مكتبة عامة عام 1922 وهي المكتبة التي عرفت بالمكتبة الأهلية، ومساهمته في النادي الأدبي الذي افتتح عام 1924 وكان عضوًا فعالاً به، وممارسته مهنة الصحافة من خلال كتابة المقالات تحت اسم مستعار، وقيامه ببناء مسجد حولي بمنطقة النقرة على نفقته عام 1950، ونشاطه الخيري من خلال عضويته في لجنة الاغاثة لمتضرري الامطار سنة 1954 (السنة المعروفة بسنة الهدامة).
وقد أنجب عبدالحميد هذا عددا من الأبناء لعل أبرزهم «عبدالعزيز بن عبدالحميد بن عبدالعزيز الصانع» الذي أخبرنا في حوار أجرته معه صحيفة القبس (3/10/2006) أنهم من المناصير من عنزة، وأن أجداده من بريدة ثم سكنوا المجمعة قبل أن ينزحوا إلى الكويت مع آل العبدالرزاق، وأن إسم الصانع التصق بهم لأنهم كانوا يصنعون الموازين الدقيقة، وبعضهم كان يصنع أجلدة القرآن الكريم، والبعض الثالث يصنع الدهن ويسوقه قبل استيراد الزيوت من العراق. ولد عبدالعزيز عام 1933 ودرس في المدرسة الأحمدية (ثاني مدرسة نظامية تأسست في الكويت عام 1920)، ثم درس في المدرسة القبلية وثانوية الشويخ حتى عام 1957 حينما انتقل لمواصلة دراسته في تخصص المكتبات بالجامعة الأمريكية في القاهرة، وبعدها في جامعة بيروت العربية / تخصص علم اجتماع، علما بأنه عمل في سلك التربية، ثم صار أخصائيًا اجتماعيًا بدار رعاية الضعاف التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، ومنها انتقل للعمل بمعهد الشلل، قبل أن يهجر العمل الحكومي ويتجه للعمل التجاري مع أخيه التاجر والمحامي والسياسي الراحل عبدالرزاق (توفي 2009).
وفي الحوار المشار إليه أتى عبدالعزيز على ذكر إخيه عدنان الذي قتل في لندن على يد عصابة أردنية، وأخيه الآخر عبداللطيف الذي قتل في بغداد بأمر من صدام حسين، ثم أخيه فيصل، وهو من مواليد 1937 وأتم دراسته الثانوية بمصر ودراسته الجامعية في فرنسا، ودخل معمعة السياسة متأثرًا بالأفكار البعثية التي استقاها في مصر من صداقته لصدام حسين حينما كان الأخير لاجئًا هناك. وبعد عودته إلى الكويت ترشح لعدة انتخابات دون أن يفوز بمقعد إلا في انتخابات 1985، لكن مجلس 1985 تم حله في العام التالي بسبب كثرة الإستجوابات التي شارك فيها فيصل بحماس دون تمعن في العواقب. وخلال الغزو العراقي لبلاده جمد فيصل عضويته في حزب البعث ورفض كل عروض صدام لتعيينه على رأس الحكومة الهزلية التي شكلها لإدارة الكويت عام 1990 ومنحه صلاحيات مطلقة في حكمها، كما رفض دعوات أسرته للهروب من البلاد، الأمر الذي سهل على القوات الغازية اعتقاله ونقله إلى بغداد أسيرًا، حيث انقطعت أخباره إلى أن تم التعرف بعد سنوات على جثته من خلال البصمة الوراثية.
وحينما ننتقل إلى آل الصانع الذين عملوا في التجارة ما بين الكويت والخليج من جهة والهند من جهة أخرى نجد أمامنا إسمين بارزين سلطت عليهما الضوء الباحثة القديرة حصة عوض الحربي في موسوعتها الموسومة بـ «تاريخ العلاقات الكويتية الهندية 1896 ــ 1965). الإسم الأول هو». عبدالعزيز عبدالحميد الصانع، (هذا غير الذي أتينا على ذكره آنفا)، وكان صاحب السفينتين التجاريتين الحميدي والمنصور اللتين كانتا تحملان التمور العراقية لتسويقها في الهند وشرق افريقيا. وقد عمل ولداه ناصر وعبدالحميد كنواخذة على سفن والدهما لبعض الوقت قبل أن يتركا العمل البحري ويتجها للعمل التجاري. فقد عمل الإبن ناصر في الطواشة ما بين الهند والبحرين قبل أن يفتتح محلاً في سوق اللؤلؤ بالمنامة. وبعد وفاة والدهما في عقد العشرينات من القرن الماضي تشارك الأبناء ناصر وعبدالحميد وأحمد في افتتاح مكتب تجاري لهم في شارع محمد علي رود ببومباي لتزويد محلاتهم في الكويت والبحرين بالبضائع والسلع الهندية، حيث تولى أحمد إدارة ذلك المكتب فيما كانت إدارة محلاتهم في الكويت والبحرين من نصيب ناصر وعلي مع ترددهما من وقت إلى آخر على بومباي لمساعدة أخيهما أحمد المقيم هناك، علمًا بأن أحمد اشتهر إلى جانب التجارة بالنشاط الخيري والتربوي، حيث يرجع إليه الفضل في بناء وترميم الكثير من المساجد ودور العلم للهنود المسلمين بمشاركة أصدقائه المقيمين في بومباي من أمثال الكويتي عيسى بن الشيخ يوسف القناعي والسعوديين محمد العلي البسام وأحمد عبدالله القاضي. وحينما تقلصت الاعمال التجارية مع الهند بظهور النفط في الكويت، فض الإخوان شراكتهم وأغلقوا مكتبهم وحولوا ملكيتها إلى عائلة التاجر الهندي عثمان براذرز، وعادوا إلى الكويت في أواخر الخمسينات.
أما الشخصية الثانية من آل الصانع في الهند التي تناولتها الباحثة حصة الحربي فهي (سليمان محمد عبدالرزاق عبداللطيف الصانع)، وهذا من مواليد الكويت في عام 1917 وعاش في الهند في كنف أخواله من عائلة عبدالعزيز عبدالحميد الصانع وأبناء الأخير الذين أتينا على ذكرهم فيما سبق. وقد عرف عن سليمان شغفه بالاطلاع والأدب والثقافة تأثرًا بخاله الأديب عبدالحميد الصانع (أتينا على ذكره فيما سبق). درس سليمان بالمدرسة المباركية في الكويت، لكنه سافر بحرًا إلى الهند لأول مرة في سن السادسة عشر أو نحوها مع خاله عبدالعزيز عبدالحميد الصانع ثم رجع ليعود إليها مجددا في عام 1942 من أجل اكتساب المهارات التجارية من خلال العمل بمكتب أخواله في بومباي. وبعد فترة استقل عنهم وأسس لنفسه مكتبه الخاص في شارع محمد علي رود لتجارة القومسيون، وراح يتعلم الانجليزية ويوثق علاقاته مع التجار الهنود والتجار الكويتيين المقيمين في الهند مثل الشايع والقناعات والفوزان والدخيل والعبيد. في أوائل الخمسينات عاد سليمان إلى وطنه مع عودة التجار الكويتيين، لكنه سرعان ما ذهب إلى مدينة أوسكا باليابان حيث أسس هناك مكتبًا تجاريًا بمشاركة راشد خلف الدخيل، لكن المكتب لم يستمر طويلاً فعاد إلى الكويت. ونظرًا لعلاقة توطدت بينه وبين الأمير الأسبق الشيخ عبدالله السالم الصباح الذي كان دائم التردد على بومباي، ثم بسبب معرفته باليايان وعلاقته التجارية بها، قرر الأمير في عام 1962 تعيينه كأول سفير للكويت المستقلة في طوكيو. وهكذا بدأ سليمان رحلته مع العمل الدبلوماسي بدءا بطوكيو ثم طهران (1966) فنيروبي (1969) فالدوحة (1971)، قبل أن يتقاعد عام 1975 ويتوفى على أرض وطنه عام 1999.
ومن آل الصانع أيضًا الأخوان صالح وعبدالله وعبدالعزيز وعبدالرحمن أبناء إبراهيم العبدالله السعد الصانع الذين استقروا في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية من السعودية، وكانوا من رواد الأعمال والمشاريع، ومن أوائل من أسسوا بها معملاً لتقطير المياه وكسارة ومصنعا للطابوق.