: آخر تحديث

العراق واستعادة هويته

116
107
109
مواضيع ذات صلة

هل يمكن فعلاً أن يترجم العراق عملياً، الرغبة التي أعلن عنها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يوم الاثنين الماضي، عندما قال «إن العراق كان ساحة لتصفية الحسابات، وتمكنا من تحويله ساحة للقاء المتخاصمين»، في إشارة إلى ما هو متداول من عقد لقاء سعودي - إيراني في بغداد؟
واضح من خلال المواقف المعلنة، أن هناك رغبة في التقدم والتفاهم في سياق الحوار بين إيران والمملكة العربية السعودية، فلقد تغيّر الزمن الذي كان يدير العراق منتدب إيراني بامتياز هو نوري المالكي، الذي سبق أن حاول إفشال زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان إلى بغداد في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2017، في وقت كانت الإدارة الأميركية تسعى في شكل حثيث إلى تبديد التوتر وأزمة الثقة، وقد لعب كما هو معروف برت ماكورك دوراً كبيراً في هذا المجال.
وقد أدى ذلك فيما بعد إلى قيام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إلى زيارة المملكة العربية السعودية مرتين، حيث التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز؛ وهو ما أدى إلى استئناف الرحلات الجوية إلى العراق، وأُعيد فتح معبر عرعر في حضور ماكغورك والسبهان، وليس من المبالغة القول إنَّ طهران لم تكن تهضم بسلاسة هذه التطورات؛ ذلك أنها حالت دون عودة حيدر العبادي إلى رئاسة الوزراء رغم فوزه في الانتخابات.
منذ ذلك الحين تطوَّرت الأمور إيجابياً؛ فقد خلط فوز الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة الأوراق في العراق؛ إذ إن الصدر ينتقد بحدة نفوذ إيران في بلاده، وفي الوقت عينه بنى علاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية، وقد زار الرياض واستقبله الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وفي نفس السياق، وصل الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، إلى بغداد يوم الثلاثاء الماضي، في زيارة رسمية التقى خلالها رؤساء الجمهورية برهم صالح، والوزراء مصطفى الكاظمي، ومجلس النواب محمد الحلبوسي، ووزير الدفاع جمعة عناد الجبوري، وجرى في مجمل هذه اللقاءات عرض العلاقات الأخوية والتاريخية بين البلدين، وبحث المستجدات في المنطقة والتطورات في الإقليم، وأشاد بيان من الرئاسة العراقية بأن الرئيس برهم صالح نوّه بالدور المركزي والمحوري الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في المنطقة والعالم، مشدداً على أهمية تطوير العلاقات بين البلدين، والعمل بالاتفاقات ومذكرات التفاهم الموقعة بينهما.
في غضون ذلك، جاءت تصريحات مصطفى الكاظمي يوم الاثنين الماضي، لتؤكد الاتجاه إلى أنَّ العراق لا يريد أن يبقى ساحة للمتخاصمين بل ملتقى للحوار بينهم، في إشارة إلى الحوار بين الرياض وطهران، وأوضح أن العراق يحاول اليوم استعادة سمعته الدولية، مؤكداً أنه يرفض كل أشكال النفوذ السياسي، ومحاولة الوصاية على العراق من قبل أي طرف كان، «ولن نقبل أن يكون العراق ساحة لتهديد جيرانه، وأننا نبحث عن علاقات جيدة مع واشنطن»، وأنه يعمل من خلال الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة على ترتيب العلاقات مع واشنطن، وهو طبعاً ما لا يروق لطهران التي تواصل هجماتها على السفارة والقواعد الأميركية في العراق، حيت يوجد الخبراء الأميركيون، عبر الميليشيات المسلحة التي تحركها.
وفي هذا السياق تحديداً، اعترفت القوات العراقية يوم الثلاثاء بخطر انسحاب الشركات الأميركية الخاصة من البلاد، على قواتها الجوية التي تشكل طائرات «إف 16» عمودها الفقري، وذلك بعد مغادرة شركة «لوكهيد مارتن» الأميركية، التي تقوم بصيانة هذه الطائرات لقاعدة بلد شمال بغداد، بسبب تصاعد هجمات الميليشيات العراقية الموالية لإيران عليها، وقال المتحدث باسم القيادة اللواء تحسين الخفاجي، إن هذه المقاتلات مهمة جداً وهي العمود الفقري للقوة الجوية العراقية وذراع العراق في محاربة الإرهاب.
وكان الكاظمي قد أعلن في حديثه الصحافي، أن البعض حاول ويحاول استغلال السلاح الذي حارب «داعش» تحت عناوين مختلفة، والمقصود طبعاً ميليشيات «الحشد الشعبي» التي تحركها طهران، لكنه شدد تكراراً على أن السلاح يجب أن يكون في يد الدولة وأن الحكومة جادة في محاربة السلاح المنفلت «وأن هناك عصابات اخترقت أجهزتنا الأمنية، لا سيما في وزارة الداخلية، ولا يحق للأحزاب امتلاك السلاح خارج الدولة».
ويقول الكاظمي الذي أعلن أنه لن يترشح إلى الانتخابات المقبلة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وأنه سبق له أن قبل رئاسة الوزراء لمنع وقوع العراق في حرب أهلية، إن الطائفية والفساد والتكالب على السلطة أنتجت دولة ضعيفة؛ ولهذا سعى دائماً إلى إبعاد السمعة الطائفية عن الحكومة.
يوم الاثنين الماضي احتجت إيران رسمياً لدى العراق على مهاجمة متظاهرين عراقيين قنصليتها في مدينة كربلاء وإضرام النار في جزء من مبناها، بعد تعرّض الصحافي الناشط إيهاب الوزني للاغتيال فجر الأحد، ومهما يكن من أمر، فإن إضرام النيران في المحيط الخارجي للقنصلية الإيرانية احتجاجاً على اغتيال الوزني، يشكل ظاهرة مثيرة لها مدلولاتها السياسية لأن المدينة لها سماتها الدينية العميقة؛ ولأن الحادث يوحي بأن التحركات الناشطة ضد الهيمنة الإيرانية على الوضع في العراق، تواجه تصعيداً متزايداً، ولعل آخر المظاهر البارزة لهذا ما جرى نهاية الأسبوع الماضي.
وكان الكاظمي قد أمر بإزالة صور للمرشد الأعلى علي خامنئي وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني والخميني، من أمام جامع أبو حنيفة النعمان في مدينة الأعظمية في بغداد، فقد توجهت قوة ترافقها آليات حكومية لإزالة الصورة التي كانت قد أنتجت ردات فعل على مواقع التواصل الاجتماعي أثارت غضباً شعبياً وانتقادات واسعة، وهذا العمل يشكل دليلاً إضافياً على أن الحراك العراقي لم يستكنّ ضد الهيمنة الإيرانية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.