إيلاف من الرباط: قال رئيس الحكومة المغربية عبد الإله ابن كيران انه مستعد للرحيل وعدم تمسكه بالبقاء في منصبه . ولم يتوقف ابن كيران عند هذا الحد اذ ذكر ان رئيس الحكومة يضع ثيابه في حقيبة ، في إشارة الى استعداده الدائم للرحيل .
وجاءت تصريحات ابن كيران بعدما كشف وجود اعتبارات سياسية تحكم العرقلة التي يواجهها مشروع قانون اصلاح أنظمة التقاعد في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان)، وعد ذلك حسابات بعيدة عن حسابات الوطن.
واشار ابن كيران، الذي كان يتحدث الثلاثاء في مجلس النواب (الغرفة الاولى في البرلمان)، في جلسة الأسئلة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة حول مستجدات الحوار الاجتماعي، الى أن الحكومة سلكت مع الاتحادات العمالية والفاعلين الاقتصاديين مقاربة إرادية مبنية على الصراحة والوضوح والواقعية، واقترحت حلولاً تأخذ في الاعتبار الظرفية الاقتصادية والمالية للبلاد، فضلاً عن ضرورة توجيه وتركيز الجهود على تحسين وضعية الفئات الأكثر هشاشة، وهو ما لم يلقَ التجاوب المنتظر، ووجّه في المقابل بمطالب عامة تعجيزية.
الحكومة سعت دائمًا إلى الحوار
وذكر ابن كيران أن الحكومة منذ تشكيلها، وهي تسعى الى الحوار، حيث عقدت أول لقاء مع الاتحادات العمالية في مارس 2012، أي أسابيع فقط بعد تنصيبها، فضلاً عن إحداث "اللجنة العليا للتشاور" إلى جانب "اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي"، و"خلية لدى رئيس الحكومة لتتبع حل النزاعات المستعصية".
وأكد ابن كيران حرص الحكومة على الحوار، حيث عقدت مع الشركاء الاجتماعيين ما بين 2012 و2015، ثماني جولات للحوار، فضلاً عن اجتماعات اللجان الموضوعاتية واللجان القطاعية، واللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، مضيفًا أنه خلال شهري أبريل ومايو 2016، تم عقد اربع جولات للحوار الاجتماعي ثلاثي الأطراف برئاسة رئيس الحكومة، اضافة الى جلسات اللجنة التقنية التحضيرية للحوار، حيث خصصت ثماني جلسات للمناقشة والتفاوض حول النقط المدرجة في جدول الأعمال، والتي تطرقت إلى تحسين الدخل والمعاشات، ومتابعة اتفاق 26 أبريل، واحترام الحريات النقابية، وإدماج القطاع غير المهيكل، ثم تعزيز الحماية الاجتماعية، والتشريع الاجتماعي، وإطلاق الحوار القطاعي، إضافة إلى إصلاح أنظمة التقاعد، ومأسسة الحوار الاجتماعي وتطوير التفاوض الجماعي.
رفع التعويضات العائلية
وأبرز ابن كيران أن الحكومة رفعت من التعويضات العائلية من 200 إلى 300 درهم في الشهر عن كل طفل في حدود ثلاثة أطفال، ومن 36 إلى 136 درهماً (الدولار يساوي 9.50 دراهم) في الشهر عن كل واحد من الأطفال الآخرين، وهو ما يعني زيادة في الأجر قد تصل إلى 600 درهم شهريًا، فضلاً عن الزيادة في منحة الولادة من 150 درهماً عن كل ولادة إلى الف درهم، بكلفة مليار درهم، علمًا أن هذه المنحة لم تعرف أي تغيير منذ 1958.
إضافة إلى إحداث درجة جديدة بالنسبة الى الهيئات المرتبة في الدرجات والسلالم الدنيا، لا سيما المساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين، والرفع من الحد الأدنى للمعاش من 1000 إلى 1500 درهم، بكلفة 500 مليون درهم، فضلاً عن إطلاق المشاورات بشأن إصلاح التعويض عن الإقامة والمناطق النائية.
وبشأن الحريات النقابية، كشف ابن كيران، عن إحداث لجنة ثلاثية للتشاور حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب، على أن تنهي أشغالها في أجل محدد، وتواصل اللجنة نفسها المشاورات بشأن الفصل 288 من القانون الجنائي وقانون النقابات المهنية، إضافة إلى إحداث آلية وطنية لفض النزاعات المستعصية والوقاية منها.
تغطية صحية تشمل الأبوين
وأكد ابن كيران ايضًا أن الحكومة عملت على توسيع التغطية الصحية لتشمل الأبوين بالنسبة الى الموظفين والأعوان، وإحداث مؤسسة للأعمال الاجتماعية في القطاعات الحكومية التي لا تتوافر عليها، فضلاً عن إصدار القوانين المتعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية ومعاش الزمانة بالقطاع العام، والصحة والسلامة المهنية، وطب الشغل والوقاية من الأخطار المهنية للقطاعين العام والخاص، وبنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطًا خاصًا.
في غضون ذلك، قال ابن كيران إن التحدي الذي "يواجهه المغرب اليوم، ليس هو تركيز المجهود العمومي على وضعية الطبقات التي تعيش وضعًا لا بأس به، بل هو كيفية إيصال جزء من المجهود التنموي لبلادنا إلى الفئات الضعيفة والمهمشة الموجودة في أدنى السلم الاجتماعي، لأن تحقيق السلم الاجتماعي الحقيقي يتأتى من خلال إدماج الفئات والمجالات المقصية والمهمشة في الدورة الإنتاجية والتنموية.
وشدد ابن كيران على أن ما تحقق من مكتسبات اجتماعية في ظل ظرفية اقتصادية هشة، وخاصة لدى شركاء المغرب الاقتصاديين، يعتبر إنجازًا حقيقيًا وتعبيرًا عن حرص الحكومة على ضمان شروط التوازن والاستقرار الاجتماعي، وهو ما حظي بتقدير مختلف المؤسسات الدولية، وعزز ثقة المستثمرين في صحة الاقتصاد الوطني.
تضافر الجهود
وقال ابن كيران إن "بلدنا اليوم في أمس الحاجة إلى تضافر جهود الجميع، فرقاء اجتماعيين واقتصاديين وحكومة، من أجل توفير الظروف المناسبة لتسريع وتيرة النمو وإرساء الآليات اللازمة من أجل تحقيق التوازن والعدالة الاجتماعية لبلدنا، وضمان سبل العيش الكريم لكل المواطنين والفئات".
اضاف ابن كيران قائلاً انه "ليس من المنطقي أن يقتصر الحوار مع النقابات دومًا على الزيادة في الأجور، بل ينبغي أن يستحضر أيضًا وعلى الخصوص السبل الكفيلة بالرفع من المردودية والإنتاجية ومن تنافسية الاقتصاد الوطني وسبل خلق فرص الشغل المنتج لاستيعاب سوق الشغل لأكبر عدد ممكن من السكان النشيطين".
وجدد ابن كيران التأكيد على استعداد الحكومة للاستجابة لمطالب النقابات المعقولة، مخاطبًا الاتحادات العمالية بقوله: "عندما تقولون أموراً معقولة سأستجيب لكم"، قبل أن يستدرك قائلاً: "اذا كانت ممكنة "من الناحية الاقتصادية والقانونية.
لست خصمًا للنقابات
وأعاد ابن كيران التأكيد على أنه ليس خصمًا للنقابات، وإنما فقط ليس لديه الحس الاجتماعي نفسه الذي لدى النقابات، ويتعامل مع مطالبها بمنطق مختلف.
وأبرز أنه عندما تطالب النقابات بمطالب حرجة، يضغط على وزارة الاقتصاد والمالية والباطرونا (اتحاد رجال الاعمال) للاستجابة لها، معددًا عددًا من الإجراءات التي حققتها الحكومة لصالح المغاربة، منها توسيع التغطية الصحية لتشمل الأسنان، والتغطية الصحية للوالدين، إضافة إلى التعويض عن فقدان الشغل لمدة تصل إلى ستة أشهر، والرفع من الحد الأدنى للأجور في القطاعين الخاص والعام.
وأشار ابن كيران إلى أن التغطية الصحية للوالدين لها تكلفة صعبة، ورغم ذلك حققتها حكومته، مضيفًا أن نوبير الأموي، الامين العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، سبق أن قال له إذا استطعت توفير التغطية الصحية للوالدين فإن ذلك كافٍ.
وبشأن اصلاح نظام التقاعد، قال ابن كيران إن الحكومة مصرة على هذا الإصلاح، ولن تتراجع عنه مطلقًا، لأن في ذلك مصلحة المواطنين والوطن، مضيفاً "ما الأحسن، هل نقوم بإصلاح من أجل أن يكون عند المغاربة تقاعد، وإن كان غير كامل، أو أن يفقدوه بصفة نهائية في 2022 تقريبًا".
هناك معرقلون
وطالب رئيس الحكومة، في معرض تعقيبه على مداخلات النواب، من الفاعلين السياسيين والنقابيين جعل هذا الإصلاح يمر، وترك أمر حساب هذه الحكومة التي أقرته للمواطنين، وقال "وافقوا على إصلاح التقاعد، واتركوا الشعب يتحاسب معي".
في سياق ذلك، قال ابن كيران إن البعض لا يريد أن يحسب إصلاح أنظمة التقاعد لهذه الحكومة، واصفًا هذا الأمر بـ"غير المعقول"، معلنًا أنه يتحمل كامل مسؤوليته في هذا الموضوع. وطالب ابن كيران، ما أسماه بـ"المجتمع السياسي" إلى التراجع عن الأسلوب الذي اعتمده في التعاطي مع هذا الإصلاح، منوهًا في الوقت عينه بالغالبية الحكومية التي بقيت متراصة في الدفاع عنه.
أسلوب غير مجدٍ
وشدد ابن كيران على القول إن حكومته نجحت في تحسين المؤشرات الخاصة باستعادة وتحصين التوازنات الاقتصادية الكبرى، خلال السنوات الأخيرة، رغم الظرفية الصعبة. وأوضح أن الاقتصاد الوطني المغربي حافظ على مستويات نمو مرضية، حيث حقق الاقتصاد المغربي نموًا متوسطًا ناهز 3.7% ما بين 2012-2015 مقابل 3% كمعدل بالنسبة الى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأضاف أن الحكومة التي يرأسها حافظت على القدرة الشرائية للمواطنين، عبر تفعيل مجموعة من إجراءات الحماية الاجتماعية، واستقر معدل التضخم تحت 2%.
وأشار ابن كيران إلى أن الحكومة دعمت الاستثمار العمومي من 180.3 مليار درهم سنة 2013 إلى 189 مليار درهم سنة 2016. وانتعش الاستثمار الخاص، الوطني والأجنبي، عبر تعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني وتنافسيته، من خلال تحسين مناخ الأعمال ودعم المقاولة، حيث انتقل المعدل السنوي لمداخيل الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 30 مليار درهم خلال الفترة ما بين 2009 و2012 إلى ما يناهز 38 مليار درهم ما بين 2013 و2015.
وشدد ابن كيران ايضًا على أن تقييم الوضعية الاقتصادية للمغرب خلال السنوات الأخيرة لا بد أن يأخذ في الاعتبار الحراك الوطني الذي شهده المغرب، وصعوبة الظرفية الاقتصادية الدولية والإقليمية، والارتفاع والتقلب الكبيرين لأسعار المواد الأولية.
التلوث السياسي
وعقب ابن كيران على مداخلة نور الدين مضيان، رئيس الفريق النيابي لحزب الاستقلال، التي تحدث فيها عن "التلوث السياسي"، وذلك في إشارة الى شكاوى نواب الحزب من الاستهداف السياسي عبر كل من وزارة الداخلية والمجلس الدستوري، وقال إنه "لا يمكنكم أن تتخيلوا سعادتي لوصولكم لقناعة وجود التلوث السياسي الذي طالما تحدثت عنه".
اضاف "منذ زمن وانا أحارب التلوث السياسي. الحمد لله أنكم وصلتم الى هذه النتيجة". من جهة أخرى، كشف ابن كيران أن الحكومة اعتمدت إستراتيجية بيئية تهدف إلى الحد من التأخر الحاصل في مجال التدبير البيئي وتثمين الثروات الطبيعية وتحسين ظروف عيش المواطنين، حيث تم تعزيز الترسانة القانونية البيئية وخاصة صدور القانون-الإطار بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة (مارس 2015) والقانون المتعلق بالساحل (يوليو2015)، وتعزيز المراقبة البيئية عبر إحداث الشرطة البيئية وتأهيل المختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث.
وأضاف رئيس الحكومة أنه تم تسريع وتيرة إنجاز مشاريع التأهيل البيئي، من خلال الرفع من نسبة جمع النفايات إلى 85.2 في المائة، مقابل 82 في المائة سنة 2012، وإنجاز 22 مركزًا لطمر وتثمين النفايات المنزلية، مقابل 14 سنة 2012.، فضلاً عن تهيئة 25 مطرحًا عشوائيًا، فيما 30 مكانًا في طور التأهيل، مقابل 19 سنة 2012، وإعداد 12 مخططاً مديريًا لتدبير النفايات المنزلية، فيما 13 مخططًا في المرحلة النهائية من الإعداد و35 مخططًا إقليميًا في طور الإنجاز وفي مرحلة اختيار المواقع الملائمة.
على صعيد آخر، اعلن ابن كيران أن القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية يوجد في مسطرة المصادقة، حيث ستتم إحالته في غضون الأيام القليلة المقبلة، على مجلس الحكومة، إلى جانب القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، ليتم عرضه على مجلس النواب.
وأضاف أن "الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، بقدر ما يعتبر إنجازاً كبيراً لجميع المغاربة، فهو يطرح علينا جميعًا تحديًا على مستوى التنزيل"، مشيرًا إلى أنه تم فتح الباب لمختلف الفاعلين المؤسساتيين والمدنيين المعنيين لتقديم مقترحاتهم بشأن القانون التنظيمي المذكور.
مجلس الجالية المغربية
وكشف ابن كيران أن حكومته أعدت مشروع القانون المتعلق بمجلس الجالية المغربية، مشيرًا الى أن هذا النص سيعرض قريبًا على مسطرة المصادقة.
وقال إن استراتيجية الحكومة لفائدة مغاربة العالم، تنبني على ثلاثة أهداف رئيسة، أولها "المحافظة على الهوية المغربية لمغاربة العالم"، وثانيها "حماية حقوقهم ومصالحهم"، وثالثها "تعزيز مساهمتهم في تنمية بلدهم الأم".
وأشار إلى أن الحكومة أحدثت لجنة وزارية خاصة بمغاربة العالم وبشؤون الهجرة، هدفها الحرص على تحقيق مصالح هذه الفئة من المغاربة، وذلك على أساس تحقيق الالتقائية بين مختلف السياسات القطاعية المتعلقة بشؤون المغاربة المقيمين في الخارج.
وأبرز أن حكومته عملت على تسريع وتيرة إصلاح الخدمات القنصلية المقدمة لفائدة مغاربة العالم، كما تم إحداث "شباك خاص بالمغاربة المقيمين في الخارج" بمختلف الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية (البلديات).