: آخر تحديث

الإعلام والسياسة

19
18
26

هل أصبح تناول الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي طبيعتها حقل سياسي بحت، من قبل الإعلامي خلطاً في غير محله أو كما يقال: من جاء بغير فنه أتى بالعجائب؟
الإعلامي ليس بالضرورة يفقه في السياسة، ولا السياسي مُطالباً بالإلمام بالإعلام. فهذا حقل وهذا حقل. فهل في هذا الزمن يبدو لي اختلط الحابل بالنابل؟ ونقبلها من باب آخر عندما نرى أن الطب الشعبي نجح في مساندة الطب الحديث؟

طرحت السؤال أعلاه على مجموعة من المتخصصين وكانت آراؤهم كما يلي:
إذ يرى الأستاذ المعروف حمدان جرجاوي، المذيع في قناة BBC: "يتعين على الإعلامي الإخباري أن يكون ملماً بالكثير من الأمور السياسية والاقتصادية ومطلعاً على أحدث التطورات حتى يكون قادراً على إدارة حوار بناء مع الساسة المعنيين. هناك من السياسيين من يتعلم فن الحوار والأداء الصحفي لتجنب الأسئلة المحرجة. إذا ما نظرنا إلى بعض الساسة والوزراء نجدهم في الأصل من خريجي كليات الإعلام والصحافة والحقوق والعلوم السياسية. على الإعلامي الإخباري الذي يناقش قضايا الانتخابات أن يكون ملماً برغبات الناخبين وطبيعة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الدستورية والتجاذبات والتحالفات السياسية التي قد تشكّل المشهد الانتخابي العام."

وهنا رأي حصيف للأستاذ خلف العبدلي الذي يرى: "صحيح، المعلومة مهمة للإعلامي الناجح، والقنوات العالمية تميزت باهتمامها بثقافة العاملين لديها، وقدرتهم على استخلاص المعلومة من ذهن الضيف، وتوجيههم للمشاهد نحو الزوايا التي ترغب الوسيلة الإعلامية أن ينظر لها المشاهد. لكن الخلاف يقع عندما يجنح بعض الإعلاميين، مع تقديري لشخوصهم وعلمهم، إلى ما هو أبعد من حقل الإعلام الكبير الذي يختص كله بقراءة الحدث، وعرضه على الجمهور. والدخول في حقل آخر وهو متاهات التحليل السياسي. قواعد التحليل السياسي لا تدرس في الإعلام عادة، والإعلامي غير معني بها. وهي تعتمد على جمع وتدقيق المعلومات، ثم ربطها بالخلفيات التاريخية حول الحدث، ثم الجمع بين المعلومات المفتوحة والسرية، ثم ربط النتائج مع المحيط الإقليمي والدولي والوضع الداخلي. بعدها تكتمل المعطيات لتقديم رأي سياسي تتناوله الدوائر النافذة. المشاهد بشكله العام يهتم بكل تفاصيل الحدث، وهذا ما يقدمه الإعلامي الناجح ويؤطره طبعاً بالإطار الثقافي المبني على أهداف الوسيلة. لكن السياسي لا يقف عند الخبر وتفاصيله بل يذهب أعمق من هذا ويقرأ ما وراءه، لأن فهمه للحدث وإرهاصاته وارتباطاته مع مواقف وأحداث أخرى يبني عليه قراره السياسي، بالتنديد أو الشجب أو حتى الدخول في حرب."
 
وهنا رأي ناقد للدكتورة إيمان بنت عبدالله الحصين إذ ترى أن "السياسة باتت في حكم الصداع المزمن، إما نتعامل معه بالمسكنات والمهدئات وهذا أشبه ما يكون بالحرب الباردة بين الدول، أو مواجهته بعمليات جراحية، وهذا ما جعل العالم على صفيح ساخن (حروب كلامية تقود لحروب ومواجهات مسلحة على أرض الواقع)!"
والحقيقة أن الفقه السياسي له رواده، فهو علم وفن عتيق مثل الصخر، لكنه متدفق ومتغير مثل البحر، ولا شك أن هناك علاقة جدلية بين قراءة الواقع والنزعة المعرفية. دائماً السياسي ابن الحاضر، يؤمن باللحظة الراهنة وله نظرة ثاقبة، بخلاف المؤرخ وكاتب التاريخ. أما الإعلامي أو الصحافي، فهو مجرد يؤدي أدوار إضافية للمسرح الظاهري للعيان.
خلاصة القول: السياسي يصنع الحدث والإعلامي يقرؤه. هناك فرق بين الإعلامي الناجح والسياسي الناجح، ولكل احترامه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف