لم تعد الانتخابات البرلمانية الكويتية هاجسًا سياسيًا لدول التعاون الخليجي كما كانت في الماضي وتحديدًا بعد عام 2013.
فقد هيمن الوضع الكويتي الداخلي مؤخرًا على الخطاب الانتخابي، في حين غاب الإصلاح السياسي الشامل.
تاريخيا، كانت الانتخابات الكويتية تشكل صداعًا سياسيًا لدول مجلس التعاون الخليجي، قبل وبعد انشائه، بسبب حجم وكثافة المطالبات السياسية والنيابية بالديموقراطية كلما برزت شتى التحديات والمستجدات المحلية والاقليمية.
اختلف المشهد الانتخابي الكويتي بعد ولادة قانون الصوت الانتخابي الواحد في العام 2013 وتمسك رسمي بمولود سياسي مشوه، قاد إلى تمكن سرطان العصبيات القبيلة والطائفية في الدولة بغطاء ديني في معظمها إن لم تكن جميعها!
في الماضي، كان الصوت البرلماني مرتفعاً للغاية ودقيقاً في بلاغته وعمقه، في حين اختلفت المعادلة النيابية بعد رحيل الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح وتبدل مراكز القوى والنفوذ الذي سارع في تورم الصراع والتجاذب بين اجنحة الأسرة الحاكمة ولم تكن قوى النفوذ الاقتصادي بمعزل عنها.
وباتت المشاريع التنموية والتحولات الاقتصادية في السعودية وغيرها هاجساً شعبياً كويتياً منذ سنوات وحتى الانتخابات في العام 2023.وهو ما أدى إلى تغيير في البيئة السياسية والمزاج الانتخابي، حيث أصبحت المقارنة بين الكويت ودول التعاون الخليجي محور الاهتمام الشعبي والتقييم البرلماني.
وزاد تغيّر المزاج الانتخابي عمومًا مع زيادة ملحوظة في جرعات الطرح الشعبوي على المستوى النيابي مما عمّق هوة الابتعاد عن الإصلاح السياسي الشامل وتحوّل الانتخابات النيابية إلى ما يشبه بالمزاد الانتخابي ومنبر للمزايدات الشعبوية.
كان واضحاً غياب العمل المؤسسي الحكومي الذي ضيّع على السلطة التنفيذية الكثير من الفرص والدروس وجعلها رهينة للسلطة التشريعية خلال الاعوام 2013-2020 بسبب تحالفات غير مشروعة سياسياً وغير مدروسة حكومياً.
لم توفق الحكومة الكويتية في تقديم معالجة سياسية جذرية للشروخ التي اصابت مجلس الوزراء واجهزة الدولة نتيجة التحالف الحكومي-النيابي في الفترة 2013-2020 وهو ما حفز الخطاب الشعبوي على التفكير العقلاني وهيمنة فوضى الأولويات النيابية نتيجة عدم تحقيق الحكومة للحد الأدنى من الحلول لتعقيدات وأزمات صحية وتعليمية وسكنية.
السلطة الحكومية لم تتغير في نمط التخطيط والتحليل للرأي العام والاحتياجات الشعبية المُلحة، فهي حكومة ممتدة منذ عقود سياسية تسود فيها عقلية تقليدية في الإدارة والقرار وهي نظرة بعيدة كليا عن الواقع وظروفه وتعقيداته.
الثقافة السياسية والوعي الديمقراطي ومفاهيم الدولة المدنية غابت جميعها عن اهتمامات الدولة في المناهج التعليمية والخطط التنموية والإعلامية حتى أصبحت موسمية ومؤقتة مع الانتخابات النيابية وكذلك الحال في مؤسسات المجتمع المدني التي طالها سرطان العصبيات الاجتماعية.
وطغى الانتماء للعصبيات القبلية والطائفية والتيارات الدينية على الانتماء للدولة المدنية بمباركة رسمية لذلك الانقسام والتقسيم وغياب وحدة الرأي للمفاهيم الدستورية المدنية الخاصة بدولة للكويت حتى أصبح الصوت المدني تائها بين ضجيج المزاد الانتخابي وعدم تبني الحكومة للثقافة المدنية كمبدأ سياسي ثابتًا غير قابل للمسامة والتجزئة.
يجب عدم فهم وتفسير الرأي في انتخابات 2023 وموقف الحكومة منها على أنه موقف شخصي ضد رئيس الوزراء سمو الشيخ أحمد النواف الصباح، فنحن أمام وزر سياسي وإرث حكومي أرهق الجميع باستثناء الأطراف المستفيدة من غياب الإصلاح الشامل.
النهج الحكومي الممتد منذ عقود سياسية لا تتحمل مسؤوليته الحكومة الحالية ولا رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف الصباح، نجل الأمير، فالنظرات الضيقة لم تغِب عن المشهد السياسي العام حتى اليوم!
لن تجني الحكومة ولا مجالس الأمة ولا مؤسسات المجتمع المدني ثمارًا مدنيًا لطالما جميع الأطراف تشارك في المزاد الانتخابي وتمدد سرطان القبيلة والطائفة وتعدد نوافذ وجسور التمدد الديني في المجتمع والدولة.