: آخر تحديث

إيران.. بين الالتزام بالمبادئ وتحقيق الأهداف والطموحات

26
26
26
مواضيع ذات صلة

تاريخيًا علاقات دول مجلس التعاون مع ايران.. علاقات يشوبها القلق والتوتر وانعدام الثقة، وليس قيام النظام الخميني عام 1979 بداية لهذه الحالة، وإنما منذ عهد الشاهنشاه الذي احتل الجزر الاماراتية الثلاث عام 1970 بعد قرار الحكومة البريطانية الانسحاب الى شرق السويس عام 1968 وادعاءاته الباطلة في البحرين. وعليه استمر حال هذه العلاقة عبر التاريخ مع ايران مع شيء من الاختلاف بوجود علاقات خاصة بينها وبين عدد من دول المجلس. إلا أن سياسة ايران منذ ثورة الخميني اتسمت بالفوقية والتهديد والوعيد ولم تتغير مع قيام الثورة بل زادت تعقيدًا ومواجهة. وكان هناك مشكلة معقدة بسبب علاقات دول مجلس التعاون مع الولايات المتحدة العدو الأكثر كراهية وتهديدًا للأمن الإيراني، الى جانب الموقف الخليجي المساند للعراق أثناء الحرب العراقية الايرانية الذي خلق هو الآخر هوة عميقة ومسافات متباعدة في العلاقات بين الجانبين الخليجي والايراني.

مناسبة هذه المقدمة الاجتماع الوزاري الخليجي الذي عقد بالعاصمة السعودية الرياض الاسبوع الماضي والذي كانت ايران محور البيان الصحفي. واضع أمام القارئ بعض الفقرات المهمة التي تؤكد هذا القلق والتوتر الخليجي من ايران وهي:

«انطلاقًا من مبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي تدعو إلى حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، استنكر المجلس الوزاري التصريحات التي صدرت عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بشأن أوضاع السجناء في مملكة البحرين، داعياً المسؤولين في إيران إلى تحري الدقة وعدم الاعتماد على معلومات غير صحيحة».

«أكد المجلس الوزاري على مواقف وقرارات مجلس التعاون الثابتة الرافضة لاستمرار احتلال إيران لجزر دولة الإمارات العربية المتحدة الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، مؤكدًا على دعم سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث ومياهها الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة، واعتبار أن أي ممارسات أو أعمال تقوم بها إيران في الجزر الثلاث باطلة ولاغية وليست ذات أثر على حق سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث. ودعا المجلس الوزاري إيران للاستجابة لمساعي دولة الإمارات العربية المتحدة لحل القضية عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية».

«أكد المجلس على أهمية التزام إيران بعدم تجاوز نسبة تخصيب اليورانيوم التي تتطلبها الاستخدامات السلمية، وضرورة الوفاء بالتزاماتها والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأكد استعداد دول المجلس للتعاون والتعامل بشكل فعَّال مع هذا الملف، كما أكد ضرورة مشاركتها في جميع المفاوضات والمباحثات والاجتماعات الإقليمية والدولية بهذا الشأن، وأن تشمل المفاوضات بالإضافة للبرنامج النووي الإيراني كافة القضايا والشواغل الأمنية لدول الخليج العربية، بما يسهم في تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة في إطار احترام السيادة وسياسات حسن الجوار والالتزام بالقرارات الأممية والشرعية الدولية لضمان تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي».

«أكد المجلس الوزاري على أن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة السعودية-الكويتية، بما فيها حقل الدرة بكامله، هي ملكية مشتركة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت فقط، ولهما وحدهما كامل الحقوق لاستغلال الثروات في تلك المنطقة، والتأكيد على الرفض القاطع لأي ادعاءات بوجود حقوق لأي طرف آخر في هذا الحقل أو المنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة بحدودها المعينة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت».

تلك الفقرات وغيرها توضح مدى اتساع الخلافات القائمة بين دول المجلس وايران على الرغم من الجهود الخليجية التي بذلتها منذ قيام نظام الخميني عام 1979 من أجل علاقات مستقرة لحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وكان آخر أوجه هذا التقارب او المصالحة ما تم مؤخرًا من عودة العلاقات الدبلوماسية السعودية الايرانية وتعيين السفراء في الرياض وطهران.

إلا أن كل ما ورد في الفقرات أعلاه -عدى فقرة الجزر الاماراتية المحتلة من ايران- جاءت بعد عودة العلاقات السعودية الايرانية والخطاب التصالحي الجاري بين البلدين ! هذا الخطاب الذي رأت فيه بعض دول المجلس توجها ايجابيًا جديدًا للسياسة الايرانية يساعد على بناء علاقات جديدة قائمة على الثقة والمصالح المشتركة.

إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن تفسير الموقف السياسي الايراني من أوضاع السجناء في البحرين والملف النووي الايراني وحقل الدرة التي وردت في البيان الصحفي المتناقض والرد شديد اللهجة حول حقل الدرة، الذي لم يعطِ فرصة للمهادنة الدبلوماسية حيث اشار الى: «الرفض القاطع لأي ادعاءات بوجود حقوق لأي طرف آخر في هذا الحقل أو المنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة بحدودها المعينة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت».

من الفقرات أعلاه يتضح لنا بأن مجلس التعاون لم يزل يعيش حالة التوجس والحذر في علاقاته من ايران بسبب التصريحات غير المسؤولة من كبار المسؤولين الايرانيين، التي بعضها يسير في خط إعادة العلاقات بما يحقق المصالح المشتركة وخط اخر تثير تصريحات النارية انهيارًا لكل ما بناه الخط الاول وشكوكًا في مصداقيته، لذلك يبقى التوجه الايراني للتمدد والنفوذ والسيطرة من أهم ما يعيق الانفتاح الشامل نحو علاقات متساوية بين الجانبين، لتظل العلاقات الثنائية والجماعية بين ايران في حالة من الرغبة الايرانية بتعزيزها على أسس المبادئ الأممية كحسن الجوار وعدم التدخل وحل المشاكل بالوسائل السلمية وعدم استخدام القوة، وبين مبادئ الخميني الواردة بالدستور التي تدعو الى نشر المذهب الاثني عشري ودعم الأقليات الشيعية من مواطني دول المجلس تحت عنوان عدم المساواة والمظلومية.

نظرًا لاهمية استكمال المقال - كما أعتقد - فسوف تكون لي معكم أعزائي القراء في الأسبوع القادم قراءة تحليلية تساعد على أن تكون الصورة أكثر وضوحًا بالنسبة للعلاقات الخليجية الايرانية وكيفية معالجة حالة عدم الثقة والتوتر والتهديد والوعيد والتدخل في الشؤون الداخلية وتأكيد مبدأ حسن الجوار.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد