كما هي عادتي في نهاية كل عام أخصص مقالي الأخير للأحداث الاقتصادية التي حدثت خلال اثني عشر شهراً المنصرمة مع نظرة استشرافية اقتصادية للعام الذي يليه. يؤسفني إبلاغكم أيها السادة القراء أن العام 2022 الذي لم يتبقَ على نهايته سوء بضعة أيام حمل في طياته الكثير من الأحداث التي أنهكت الاقتصاد العالمي مع نظرة مستقبلية غير متفائلة للعام 2023، إلا أنه في نفس الوقت يسعدني أن أزف إليكم بشرى استمرار الاقتصاد السعودي في النمو محققاً إيرادات وفوائض جيدة.
القصة الكبرى في أحداث العام 2022 أنها حدثت دفعة واحدة فحوّلت التوقعات الأكثر تفاؤلاً في بداية هذا العام إلى سراب. ابتداء من حرب روسية أوكرانية، مروراً بارتفاع أسعار الطاقة، انتقالاً إلى معدلات تضخم مرتفعة، استمراراً نحو سياسية صفر- كوفيد التي تنتهجها الصين. في المجمل الأرقام تشير إلى أن الاقتصاد العالمي فقد هذا العام ما مقداره 5.5 تريليون دولار.
مع اقتراب عام 2023، تواصل البلدان في جميع أنحاء العالم النضال مع عقود طويلة من الصراعات والاضطرابات الاقتصادية. الآلام الاقتصادية لن تتوقف بنهاية هذا العام فما زال لذلك الألم بقية في العام القادم حسب ما توضحه المؤشرات الأولية. فلا مؤشرات على نهاية الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى استمرار انخفاض توقعات نمو الاقتصاد العالمي بسبب حالة عدم اليقين بشأن آثار هذا الصراع، لا سيما على سلاسل التوريد العالمية. وفي ذات السياق، فالعقوبات التي تفرضها الدول الغربية على روسيا لها تأثير مباشر وغير مباشر على الاقتصاد العالمي. ولا بد من الإشارة إلى أنه من المتوقع أن تصل أسعار الفائدة إلى 5% في أوائل العام 2023، مرتفعةً من الصفر في بداية هذا العام وربما تصل إلى 6%، مما قد يدفع أكبر اقتصاد في العالم إلى ركود أطول وأعمق. لن يكون العالم في معزل عما سيحدث في الداخل الأمريكي فالخطر يحدق بجميع أنحاء العالم، لأن معظم البلدان تشترك في مشكلة التضخم الأمريكية، وبنوكها المركزية تتخذ نفس المسار لإصلاحها. مع تباطؤ الاقتصادات العالمية وارتفاع أسعار الفائدة، يتغير حساب التفاضل والتكامل والفاتورة تصبح واجبة الدفع في موعد استحقاقها، ووفقاً لتلك الرؤية يمكن للعديد من الاقتصادات الكبرى أن تجد نفسها على مسار ديون لا يمكن تحمله ما لم تقم بتعديلات مالية مؤلمة.
وأخيراً: «وفي السماء رزقكم وما توعدون».