تعبير شاذ ومزعج لكثيرين أطلقه مفتي لبنان الشيعي، هذا التعبير مؤكد أنه سبب أذى لطبلات آذان كثيرة في الأدمغة التي تسكنها العقول في عموم الكوكب، أما الأدمغة المفرغة في بلادنا فهي منبهرة بما يقوله الرجل، والرجل يقول بمنتهى الثقة والاقتناع إن سلاح حزبه أي سلاح حزب الله، وهي ميليشيا مسلحة في لبنان، هذا السلاح هو سلاح الله، نعم سلاح الله، الرجل يقولها هكذا، وأن هناك من يريد نزع سلاح (الله). انتهى تصريح الشيخ. لكن لو نجح الجيش اللبناني وهو المكلف بهذه المهمة عندئذ سنصبح أمام (إله) جردوه من سلاحه، أو بالأحرى (إله) أعزل، وأنا شخصياً في هذه اللحظة التي أنقر فيها حروف هذا الطرح أشعر بتضرس في أسناني، فالتعابير المتداولة صادمة وكاشفة في نفس الوقت، صادمة لأنها تصطدم بمسلمات دينية راسخة في الوجدان الواعي في الكوكب كله، وفي نفس الوقت كاشفة لأنها تكشف عن وسيلة استغلال أخرى رخيصة ضمن وسائل شتى يستخدمها هؤلاء لاستعمار أو لاستحمار عقول هؤلاء البشر ــ لو جاز هذا التعبير الشعبي وهو الأقرب ــ في هذه المنطقة المنكوبة والموبوءة، منكوبة بهذه الثقافة وموبوءة بهذا الفكر الذي يصدر للبشر صورة لإله متعصب متحزب عنصري دموي مسلح.
وبكل أسف تكونت في هذه المنطقة طبقات متكلسة سميكة من بشر استهواهم هذا الفكر، ومن ثم أدمنوه، وأي محاولة لتغيير هذا الفكر أو مجرد المساس به أو بمروجيه هي محاولة فاشلة فشلاً ذريعاً وتعرض حياة صاحبها لخطر كبير، فقد تحول قسم كبير من أدمغة هؤلاء البشر إلى مستودعات لمواد شديدة الانفجار، فقد حول هؤلاء البشر هذه المنطقة من الجغرافيا إلى القطعة الأكثر التهاباً من جهنم: حروب مستعرة، فقر مدقع، جوع مذل، عري مهين، قتل مستدام، مرض مستعصٍ، جهل مظلم، سفالة، همجية، وانحطاط خلقي واجتماعي وثقافي. كل هذا برعاية إله ابتدعوه وسلحوه وصنعوا له حزباً وجيشاً ومشجعين يهتفون باسمه ويقتلون باسمه، والأرض باتت مستنقعات دماء متجلطة ولم يتعظوا من قرون من الهزائم المذلة المهينة وأرض ضاعت ونكسات ووكسات، لكنهم لا يجرؤون على القول إن الإله الذي ابتدعوه وسلحوه وشجعوه هذا الإله خذلهم وجعلهم فرجة على ميديا الكوكب كله.
لكن الإله الحقيقي جل جلاله ينظر إليهم من سماه مشفقاً عليهم لأنهم عطلوا تشغيل الهبة الإلهية التي منحهم إياها وميزهم بها عن سائر مخلوقاته وهي العقل، العقل المسؤول مسؤولية كاملة عن تصرفات واختيارات الإنسان ومن ثم نتائج هذه التصرفات والاختيارات.
وإذا كان تحرير أرض يتطلب وجود إله مسلح فقد تحررت اليابان وكوريا وفيتنام وكمبوديا والهند والصين وغيرها ــ وقد قصدنا هذا الحصر بالذات لننبه القارئ إلى معنى بين الحروف ــ نعم تحررت كلها بدون وجود إله مسلح، تحررت بإرادة العمل والكفاح واستعمال الهبة الإلهية في التفكير والتنظيم والاستعداد والعمل الجاد المضني، أما رمي الكرة في ملعب السماء والاكتفاء بالدعاء على الأعداء وتفويض الإله في الانتقام منهم، ثم انتظار النتائج التي سرعان ما تظهر عياناً بياناً ويعقبها مهرجان اللطميات والعديد والمظلومية والمؤامرة الكونية.
إن الإله الحقيقي جل جلاله الذي يدير ويدبر وينظم ويهيمن على أمور هذا الكون بعدله المطلق وقدرته المطلقة لا يحتاج لسلاح البشر ولا وصاية البشر ولا تشجيع البشر ولا توجيه البشر ولا تحريض البشر على بشر، على هؤلاء البشر أن يكفوا عن قذف الكرة في ملعب السماء، فستردها السماء إليهم ومعها نتائج أفعالهم، وسيحصد كل إنسان مهما كان لونه أو دينه أو عرقه أو جنسه نتيجة استخدامه للهبة الإلهية الممنوحة له، هبة العقل والتفكير، مع إعادة النظر في معضلة الإله المسلح.