: آخر تحديث

لِحيتك الشبكية لا تسلمها

8
7
7

بعيداً عن الجانب الديني في ما يتعلق بمظهر الأوادم، فالمهتم بهيئته الخارجية إلى جانب رعايته الأساسية لشأن الجوهر يعي بأن اللحية في عالم الذكور عادةً ما تساير الموضة بكونها تمثل عنصراً بارزاً من عناصر الأناقة لدى الرجل، كما لِلحية خصائص تفيد البشرة وفق دراسات علمية منها دراسة لباحثين من جامعة كوينزلاند في أستراليا نشرها موقع إندبندنت ونقلتها الجزيرة نت في 26 آب (أغسطس) 2017، حيث أشارت الدراسة تلك إلى أن اللحية قد تحمي صاحبها من سرطان الجلد والتجاعيد لحجبها الأشعة فوق البنفسجية وذلك كلما زادت كثافة اللحية، وهذا طبعاً في فصل الصيف، كما أنها تحافظ على حرارة الجلد تحتها في فصل الشتاء، ويمكن لشعر اللحية أن يحمي الوجه من هبّات الرياح الباردة؛ ولكن بالرغم من المنافع المذكورة لِلحية فإنه إن لم تتم العناية اليومية بها على أكمل وجه، وإن لم تُغتسل بشامبو خاص بها، فإن أوساخ الشعر الذي يغطي وجه المرءِ يمكن أن تتسبَّب بحدوث التهابات جلدية أو التهابات بالغدد العرقية؛ على كل حال فبالرغم من ذكرنا بعض إيجابيات وسلبيات اللحية خاصةً فيما يتعلق بالجانب الجمالي والصحي إلا أن موضوعنا أبعد من مجرد الوقوف على جانبها الشكلي.

إذ ياما تم التلميح لشابٍ تزيّا بأردية المشايخ أو لشيخٍ طويل اللحيةِ بوجوب عدم تسليم لحيته لطفله الأرعن أو لحفيده المشاغب حتى لا يفقد ما تبقى لديه من الوقار، وكم أُشير لصاحب اللحية الطويلة بأن يمشي على الصراط في حياته اليومية قبل مماته، ليس من باب مزاولة تمارين المشي على ذلك السلك الرفيع لكي يُهيئ نفسه لزمن الانتقال إلى ديار الرفيق الأعلى، إنما لكي لا يُجر من خلالها يوماً من الأيام إلى مواضع الذل والمهانة وهو يعيش أيامه على أرض الواقع.

وعن أهمية عدم تسليم زمام أمور الذات قيل كثيراً عن القوى المناهضة للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط وأفريقيا بضرورة عدم تسليم نفسها كلياً لدولٍ هي في الأصل بمقام الدول التي انتفضوا بوجهها، أو الامتناع عن وضع زمامها بأيدي دولٍ ما تزال الدكتاتوريات مصدراً من مصادر ثرائها على حساب إفقار شعوب تلك الدول، فليس منطقياً أن تسلِّم تلك الأطراف المنتفضة على الجور أزمّتها لدولةٍ أمنية لا تقل سطوةً وعنفاً بحق مواطنيها عن الدولة التي تعمل على الإطاحة بها تلك القوى المعترضة على الحكم في بلدها؟ فكيف ستساعدك جهة ما على بلوغ أربك ونيل هدفك الذي يتعارض جملة وتفصيلاً مع هدفها المتعلق ضمناً ببقاء الوضع (وضعك) على ما هو عليه، وعدم التقدم قيد أنملة في مسار قضيتك (هذا إن بقيت لديك قضية مع الزمن) بحججٍ وذرائع واهية؟ طالما بأن جعبتك بكل ما فيها تُرمى إليك مِن قِبلهم، ومقودك برمته لم يعد بيدك.

وبما أن منع الكتل الحزبية أو الأطر السياسية أو التحشدات العسكرية من المضي في نفس الدرب المشار إليه في الأعلى أمر بالغ الصعوبة، باعتبار أنها لم تعد تمتلك خيارات أخرى غير الإذعان والمضي مع المشغِّل إلى آخر النفق، فلنتواضع في رغبتنا التغييرية إذن ونلتفت على الأقل إلى شأن الأفراد المنتمين إلى الجماعات المذكورة، طالما كان بمستطاع الواحد منا التأثير على شخصٍ هنا وشخصٍ هناك على أمل تكاثر الأشخاص ومضاعفة أعدادهم مع الزمن.

عموماً فالتحذير المتعلق بزمام الذات على الأرض غدا في الوقت الراهن متصلاً اتصالاً مباشراً بالتعامل مع الأدوات التقنية التي يستخدمها المواطن أو يستخدمها حتى ذلك الذي لم يُصبح مواطناً معترفاً به في مجتمعٍ من المجتمعات البشرية في رقعةٍ جغرافيةٍ ما، لذا إذا كنتَ ممن يهتم بنقاء سيرتك، ومعنياً بما يقال عنك في المجتمع الذي تنتمي إليه، ويهمك أمر بقاء صورتك متصالحة مع ضميرك، وما تزال تتصور بأن السمعة الفردية جزء رئيسي من كاريزما الشخصية، عليك ألا تسمح لأيٍّ كان بأن يمسك بلِحيتك الأنترنيتية وبألا تسلمها بسهولة لمن ينوي جرك جراً من خلالها، وفي هذا الصدد عليك تجنب إجراء المحادثات مع من تشك بمصداقيتهم ولو بنسبة 5 بالمئة لأن الأخساء وظيفتهم في وسائل التواصل الاجتماعي إجراء المحادثات مع هذا أو هذه أو تلك، ويستدرج بعضهم أو بعضهن إبان الحديث، ومن ثم يقوم بحفظ التسجيلات وتصوير المساجلة أوَّل بأول ليستخدم تلك المخاطبة المصورة كسلاح ضد منَ كان يتواصل معه/ا، وذلك بعد أن يطلب منه/ا ما يريد إن كان موقفاً سياسياً أو مالاً أو يود الحصول على لحظة شبقية مجبولة بدنس لعابه المؤقت، والأمر نفسه قد تفعله بعض النسوة مع بعض الرجال من أجل الابتزاز والضغط الاجتماعي أو السياسي أو العسكري، وبالتالي الحصول من ذلك النفر على المطلوب من خلال المَمسك، لذا فالمحادثات الشخصية في وسائل التواصل عبر الشبكة العنكبوتية العالمية في الفضاء مع الجهات المجهولة أو المشكوك بأمرها خطيرة وعواقبها وخيمة، وهي أشبه تماماً بمن يُسلم لحيته الطويلة على الأرض لمنافسه أو خصمه أو عدوه اللدود.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.