باديرنو دونيانو (إيطاليا): قد تكون إيطاليا غائبة عن النهائيات للمرة الثانية توالياً، لكنها تستضيف كأس العالم، الكأس بحد ذاتها وليس البطولة التي تقام كل أربعة أعوام، وذلك من أجل تحضيرها لتكون بأفضل حلتها حين تُرفَع في 18 كانون الأول/ديسمبر في العاصمة القطرية الدوحة.
وقبل انطلاق النهائيات التي تقام للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، حلّت وكالة فرانس برس ضيفة على مشغل بيرتوني، مبتكر كأس العالم، لكي تلقي نظرة عن كثب عما تخضع اليه الكأس من "تجميل" على يد أكثر من لمسها ويلمسها الى جانب الأبطال المتوجين بها.
وكما جرت العادة كل أربعة أعوام، عادت الكأس التي يحلم بها أعظم اللاعبين في التاريخ الى ضواحي ميلانو في زيارة تفقدية "تجميلية"، قبل المغادرة في جولة على الدول الـ32 المشاركة في النهائيات العالمية، آخرها قطر المضيفة التي تفتتح العرس الكروي في 20 تشرين الثاني/نوفمبر.
بالنسبة لمديرة المؤسسة فالنتينا لوزا، فهي تتفهم تماماً أسباب أن الكأس ليست في أفضل حالاتها، قائلة لفرانس برس من أمام النوافذ المليئة بالكؤوس الوطنية والدولية من إنتاج الشركة العائلية في باديرنو دونيانو "عندما تعود، نرى أنها كأس كَثُرَ الاحتفال بها! لكن يمكن تفهم ذلك: علينا القتال للفوز بها، وبالتالي عندما تفوز بها لا بد أن يكون هناك الكثير من الفرح...".
"قلة يعرفون كل أسرارها!"
وأقرّت الأربعينية بأنها "دائماً ما أشعر بتأثر كبير" عندما تعود الكأس التي يبلغ ارتفاعها 36 سنتيمتراً وتزن أكثر من ستة كيلوغرامات من الذهب الخالص والمالاكيت (الحجر الأخضر الظاهر في قاعدة الكأس)، بعد كل مونديال، مضيفة "إنه أمر مثير أن تعلم بأن أعظم لاعبي كرة القدم أمسكوا بها بأيديهم. فنحن من بين القلائل الذين يمكنهم رفعها ويعرفون كل أسرارها!".
لا يمكن لأحد سوى الأبطال السابقين ورؤساء الدول أن يلمسوا النسخة الأصلية من الكأس، بالإضافة الى أولئك الذين يتولون صيانتها بحسب موقع الاتحاد الدولي (فيفا) مالك الكأس.
هذه الكأس التي تعلوها كرة أرضية، اطلقتها شركة "جي دي إي بيرتوني" منذ أكثر من خمسين عاماً.
فبعدما احتفظت البرازيل بالكأس السابقة (كأس جول ريميه) عقب فوزها باللقب العالمي الثالث عام 1970، بموجب قانون البطولة المطبق في تلك الفترة (سُرقت الكأس لاحقاً وتم تذويبها)، أطلق فيفا مسابقة من أجل صناعة كأس جديدة شاركت فيها 53 شركة.
وأوضحت لوزا أنه "قام والدي بتصميم هذا المشروع مع النحات والمخرج الفني سيلفيو غاتسانيغا. ذهبا الى زيوريخ بنموذج من الجبس وفازا بالمسابقة".
تمت صيانة النسخة الأصلية (تنظيف، تلميع، إصلاحات محتملة، نقش اسم الفائزين على قرص في أسفل الكأس) منذ فترة، لكن الشركة الإيطالية كانت مشغولة في الأسابيع الأخيرة بإنتاج الميداليات الممنوحة للمشاركين والفائزين ووضع اللمسات الأخيرة على النسخة الطبق الأصل من الكأس.
صحيح أن أبطال العالم يرفعون النسخة الأصلية بعد النهائي، إلا أنه لا يمكنهم الاحتفاظ بها بل ينالون نسخة طبق الأصل متطابقة تماماً مع الأصلية في أعين غير الخبراء، لكنها مصنوعة من النحاس الأصفر ومطلية بالذهب.
"فريق كرة قدم"
في المشغل الذي ينشط فيه العمال، تحتك العديد من القوالب ببعضها البعض في منتصف أرفف مليئة بالأجزاء المعدنية والأدوات من جميع الأنواع، إضافة الى أحواض الغسيل أو التذهيب.
المهام الأكثر دقة هي اختيار القطع المناسبة من "اللغز" لتحقيق أكبر تطابق ممكن بين النسختين الأصلية وطبق الأصل، وصولاً الى عروق المالاكيت.
ويقول مدير الإنتاج سالفاتوري يانيتي "العملية قديمة وليست ميكانيكية بل حِرَفية بامتياز"، مضيفاً "بالنسبة لنا، نفتخر بأن نكون قادرين على العمل بنفس الطريقة التي نعمل بها منذ أعوام طويلة".
وتابع ابن الـ53 عاماً "يتم التناوب على هذا العمل حوالي عشرة أشخاص، فريق كرة قدم تقريباً (11 لاعباً مع الحارس)".
وينكبّ أحمد آيت سيدي عبد القادر على "سنجعلها تلمع الآن"، وهو يوجه مسدس التلميع نحو الكأس الطبق الأصل، لكنه ليس متفائلاً كثيراً بقدرة بلده الأصلي المغرب على رفعها في 18 كانون الثاني/يناير مع "أننا نود ذلك، لكن سيكون الأمر صعباً...".
بالنسبة ليانيتي، المشجع المتفاني لمنتخب إيطاليا، فهو يعلم أن عليه الانتظار حتى مونديال 2026 ليأمل في رؤية الـ"أتزوري" يرفع الكأس للمرة الخامسة في تاريخه بعد فشله في التأهل لقطر 2022، على غرار ما حصل في روسيا 2018.