باريس: فرضت قطر نفسها بقوة على الساحة الرياضية العالمية على مدى سنوات خلت، وبالتالي فإنّ استثمارها في نادي باريس سان جرمان الفرنسي واستخدامه كأداة مركزية في دبلوماسية القوّة الناعمة للإمارة الخليجية الغنية بالغاز، يجب ألّا يتغيّر بمرور كأس العالم لكرة القدم في غضون عام، بحسب ما يرى خبراء.
ماذا ستفعل قطر بعد انتهاء المونديال؟ هل ستواصل استثمارها الكبير في النادي الباريسي، في الوقت الذي أنفقت فيه الإمارة بالفعل أكثر من مليار يورو منذ استحواذ شركة قطر للاستثمارات الرياضية على النادي في العام 2011، من دون أن تتمكّن من الفوز بدوري أبطال أوروبا؟
يدور هذا السؤال بصمت في صفوف مراقبي الكرة الفرنسية، وخصوصاً أنصار النادي الباريسي الذين شاهدوا كيليان مبابي والبرازيلي نيمار والأرجنتيني ليونيل ميسي يوقّعون في باريس، بصفقات مالية غير منطقية أحياناً.
"أداة إغواء عالمية"
لكن حتى الآن، يبدو الأمر خارج الحسابات.
يقول الباحث في العلوم الجيوسياسية والمتخصّص في شؤون دول الخليج رافايل لو ماغوارييك لوكالة فرانس برس "أعتقد أنّ كأس العالم ما هو إلّا ممر، إنّه انتصار بحد ذاته لقطر. لكن هذا لا ينبغي أن يغيّر سياستها بأي شكل من الأشكال".
ويحذّر الخبراء الذين قابلتهم فرانس برس من أنّ التنبؤ بالمستقبل والاستراتيجية الدبلوماسية لبلد ما، هو أمر محفوف بالمخاطر.
والمخاطر تتعدّد هنا، ويمكن لعوامل عدّة التدخل وربما تعديل شبكة تحليل صالحة في لحظة معينة.
لكن موجة التمدّد التي قادتها الإمارة لما يقارب 30 عاماً تبدو راسخة جيداً في إستراتيجيتها.
تعبير "القوة الناعمة" (ٍسوفت باور) الذي برز في أوائل التسعينيات، كان وصفاً أطلقه المنظر الأميركي للعلاقات الدولية جوزيف ناي. وهو يحدّد قوّة التأثير والإقناع لدى كيان ما على فاعل آخر، دون وسائل قسرية.
يشير مدير الأبحاث في معهد "سي أن أر أس" وجامعة تور مارك لافيرن إلى أنّه "بعد فترة وجيزة من الغزو الأميركي للعراق، طرحت قطر على نفسها سؤالاً: ما الذي يمكن أن يجنّبها هجوماً مماثلاً؟ ليس جيشها ولا شركاتها النفطية ولا تقنياتها. إنه الرأي العام الغربي".
ويضيف المتخصّص في العلوم الجيوسياسية "لقد طوّرت قطر مجموعة كاملة من الركائز التي يمكن ربطها بالقوّة الناعمة، الفن، والسياسة الرياضية العالمية، والتي يُعدّ فيها باريس سان جرمان أداة للإغواء العالمي. إنها عملية بناء صورة سلسة، غريبة، ومثالية. قطر لن تتوقّف عن تطوير هذه الإستراتيجية غداً".
"الواجهة الأفضل"
تلك السياسة أتاحت لقطر الظهور على الخريطة الجيوسياسية. يقول مارك لافيرن إنه "قبل 15 عاماً تقريباً، لم تكن قطر موجودة في الرأي العام".
ويؤكّد هذا الجامعي أنّ "باريس سان جرمان مركزي في هذه السياسة، فقطر مع النادي، تؤثّر في العالم بأسره".
بدوره، يرى دانيال رايشي، الأستاذ المحاضر في جامعة جورج تاون في قطر "تستضيف قطر الألعاب الآسيوية في 2030 ووقعت عقداً لاستضافة سباقات الفورمولا واحد لعشر سنوات، ولديها الكثير من دورات كرة المضرب والغولف ورياضات أخرى".
تابع "أهمية الرياضة تتعدى الرياضة بحد ذاتها بالنسبة لقطر، يقومون بذلك لأنهم دولة صغيرة تريد خوض نزالات كبيرة على صعيد الشؤون الدولية. الرياضة تمنحهم هذه الفرصة، لذا ستبقى هامة بالنسبة إليهم".
اعتبر البعض أنّ الحلقة الأخيرة من فشل انتقال مبابي هذا الصيف رغم العرض الذي قدّمه ريال مدريد الإسباني بقيمة 180 مليون يورو، ليس إلا بدعة مالية.
يقول لو ماغوارييك "لكن الاقتصاديين الذين تم سؤالهم في فرنسا ليس لديهم آلية قراءة لقطر. يجب أن نقارن تلك الاستثمارات مع تلك الخاصة بوزارة الدفاع".
أفق المونديال ليس ذا أهمية كبيرة في ضوء نجاح الاستراتيجية القطرية حتى الآن.
وتؤكّد كارول غوميز مديرة الأبحاث في الجيوسياسة الرياضية في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (إيريس) في فرنسا أنه "منذ البداية وحتى اليوم، يشكل سان جرمان في رأيي، استثماراً كبيراً للبلاد. بالنسبة للبعض، هذا هو الواجهة الأفضل للإمارة".
وتضيف "أنا لا أؤمن بسحب الاستثمارات في اليوم التالي لكأس العالم. أولاً، لأن الأسباب الجيوسياسية والاقتصادية التي دفعت الدوحة للاستثمار في الرياضة ما زالت قائمة. إنها مسألة التأكيد الدائم على الاختلاف عن جيرانها لا سيما السعودية والإمارات، ولكن أيضاً لتنويع استثماراتها الاقتصادية من أجل التفكير في حقبة ما بعد الغاز".
إضافة إلى ذلك، فإنّ الروابط بين قطر وفرنسا تتجاوز إطار هذه الإستراتيجية الرياضية.
يستذكر لافيرن أنّ "قطر حليف إستراتيجي لفرنسا، وهي كذلك منذ سنوات".
تحالف ليس النادي الباريسي إلّا واحداً من عناصره، لكنه عنصر حساس.