حث رياضيون إيرانيون في منفاهم الاختياري الجهات المنظمة للأولمبياد على التحقيق في مزاعم تورط بلادهم في انتهاكات. ورغم زعم هؤلاء الرياضيين أنهم تعرضوا لتهديدات حتى لا يتكلموا عن تلك الانتهاكات، يشرح لنا ثلاثة منهم كيف لم تردعهم تلك التهديدات عن قول ما يريدون.
ويجلس مهدي جفعر غولي زاده في المطار في قلق بينما تساوره شكوك في إمكانية نجاح خطته للهرب خارج البلاد.
ودفع بطل الكاراتيه الإيراني مبلغا من المال لمهرب ليساعده في الهرب إلى كندا، لكن رحلته انتهت على باب الطائرة.
وألقت السلطات القبض على غولي زاده في المطار قبل أن يتمكن من الهرب من إيران عام 2004 بتهمة التجسس لحساب إسرائيل، التي تعدها طهران عدوها اللدود.
وتشيع في إيران ممارسات قمع حرية التعبير والضرب بشدة على يد المعارضة في البلاد، بمن في ذلك الرياضيين البارزين الذين لا تستثنيهم طهران من محاكمات تقول جماعات حقوقية إنها تحقق في اتهامات غامضة إذا تجرأوا وانتقدوا السلطات في أي شيء كما فعل جعفر غولي زاده.
ويشير الرياضي الإيراني السابق إلى أنه اعتقل وظل على مدار الأشهر الستة التالية للقبض عليه يتعرض للتعذيب وضغط من قبل المحققين للاعتراف بجرائم وهمية.
وعندما أصر على رفض الخضوع لتلك الضغوط، أطلقت السلطات سراح جعفر غولي زاده في 2005، معلنة أنه كان هناك خطأ ما تسبب في اعتقاله. كما تمكن من استكمال طريقه في عالم الرياضة والمشاركة في مسابقات لعبة الكاراتيه الكبرى مرة ثانية كأن شيئا لم يكن.
لكن كان هناك شيء ما ظل يعزز رغبته في الهروب من إيران رغم إطلاق سراحه.
وواتته الفرصة في 2008 عندما فر أثناء رحلة إلى المنتخب الوطني إلى ألمانيا. ومن هناك طلب اللجوء السياسي من فنلندا حيث أصبح من كبار مدربي الكاراتيه هناك.
والآن يقول مهدي جعفر غولي زاده إنه يشعر بالحرية.
وحاولت بي بي سي التواصل مع السلطات الإيرانية لمواجهتها بتلك المزاعم، لكنها لم تتلق ردا على ما سبق.
متحدون من أجل نفيد
كانت مزاعم ممارسات التمييز وتدخل السياسة في الرياضة هي الأسباب التي قال الكثير من الرياضيين الإيرانيين الذين فروا من بلادهم إنها كانت الدافع وراء الفرار، من بينهم الرياضيين الثلاثة الذين أجرينا معهم هذه المقابلات التي يتناولها هذا المقال.
واتفق الثلاثة الذين أجرينا معهم حوارات على أن هناك ما أجبرهم على الكلام الإدلاء بمزيد من التفاصيل عن قصص هروبهم من البلاد رغم التهديدات التي يزعمون أنهم يتلقونها، وهو إعدام المصارع الإيراني نفيد أفكاري عام 2020 الذي أثار موجة من الغضب على مستوى العالم.
وأُعدم أفكاري، 27 سنة، بعد أن إدانته المحكمة في اتهامات بقتل أحد أفراد الأمن أثناء مظاهرة ضد الحكومة في 2018 وصدور الحكم عليه بالإعدام. وقال المصارع الإيراني الراحل قبل وفاته إنه أُجبر على الاعتراف تحت ضغط التعذيب من قبل السلطات.
وكان إعدام هذا الرياضي الإيراني البارز هو الشرارة التي أطلقت حملة "متحدون من أجل نيفاد" التي تطالب بحظر مشاركة إيران في البطولات والمسابقات الرياضية الدولية، بما في ذلك أولمبياد طوكيو 2020.
وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، أرسلت الحملة ثلاثة خطابات إلى اللجنة الأولمبية الدولية لحثها على التحقيق في 20 حالة تعرض فيها رياضيون إيرانيون لانتهاكات من قبل السلطات في طهران.
ولم تتلق بي بي سي أية رد رسمي من إيران عندما واجهتها بالمزاعم الخاصة بتلك الحالات.
اعتقال إيرانية تعيش في بريطانيا منذ 10 سنوات خلال زيارتها للبلاد
بريطانيا تحقق في اعتقال أستاذ جامعي يحمل جنسيتها في إيران
وجاء في أحد الخطابات الموجهة من الحملة إلى اللجنة الدولية أن إيران خرقت الميثاق الأوليمبي الذي يلزم منظمي المسابقات الأولمبية "باتخاذ إجراء ضد أي شكل من أِكال التمييز أو العنف يُمارس في الأوساط الرياضية".
وقالت اللجنة الأولمبية الدولية لبي بي سي إنها تراجع تلك المزاعم.
وإذا خلصت اللجنة الدولية إلى أن إيران خرقت الميثاق الأوليمبي، فسوف يفتح تحقيق شامل في تلك المزاعم يستهدف "إثبات الحقائق بشكل كامل واتخاذ الإجراءات اللازمة"، وفقا لمتحدث باسم اللجنة.
شكاوى التمييز
يعتبر سردار باشاي من أهم الأصوات التي تحث اللجنة الأولمبية الدولية على فعل المزيد بشأن المزاعم الموجهة إلى إيران بانتهاكات في حق رياضيين.
وكان باشاي بطلا في المصارعة ومدربا للعبة في إيران حتى هروبه إلى الولايات المتحدة عام 2009.
وساق الرياضي الإيراني الفار حظر السفر، والمراقبة من قبل السلطات، واعتراض طريقه أثناء التقدم المهني في لعبته الرياضية بين أسباب أخرى دفعته إلى الفرار إلى الولايات المتحدة. ورجح أن خلفية والده السياسية كانت من الأسباب التي وقفت وراء معاملته بهذه الطريقة من قبل السلطات.
وزعم أن أفضل مصارعي إيران تلقى أوامر بالهزيمة في مباراة في إحدى المسابقات حتى لا يواجه الخصم الإسرائيلي في الدور التالي في المسابقة. ولا تعترف إيران بدولة إسرائيل وتمنع الرياضيين الإيرانيين من اللعب أمام إسرائيليين.
وبالنسبة للرياضيات من النساء في إيران، هناك المزيد من العقبات التي تضعها السلطات أمامهن.
لعشرات السنوات، كانت سهيلة فرحاني لاعبة كرة طائرة مميزة والتحقت بالتحكيم في اللعبة أيضا على المستوى المحلي. وعندما بلغت الثانية والثلاثين من عمرها، كسرت سهيلة حواجز النوع لتصبح أول حكم دولي في لعبة الكرة الطائرة من إيران.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت حياتها الجنسية محل تركيز في المجال العام في إيران.
قالت سهيلة لبي بي سي، بصوت مرتجف من قوة المشاعر: "كان الأمر يستعصي على الحل، ولم أتمكن من الحديث فيه مع أحد. كونك مثلية في إيران، يعني أنك في خطر".
وعندما واجهت سهيلة أسئلة ملحة من هذا النوع بغزارة عن ميولها الجنسية من قبل متطفلين، هاجرت سهلية إلى الولايات المتحدة عام 2015، لكن ذلك لم يخرجها من تحت طائلة القوانين المعمول بها في الجمهورية الإسلامية.
واستبعدت سهلية من القائمة الإيرانية للحكام الدوليين للكرة الطائرة لعدم ارتدائها الحجاب في الولايات المتحدة. ويفرض القانون الإيراني على النساء ارتداء الحجاب في حين تُعد المثلية الجنسية عملاً شائناً يستدعي العقوبة في الجمهورية الإسلامية.
"الرياضة تهديد للحكومة"
تحدثت إلينا أيضا رياضية إيرانية في منفاها الاختياري، لكنها اشترطت عدم ذكر اسمها لمخاوف حيال سلامة ذويها في إيران. ومنذ انضمامها إلى حملة "متحدون من أجل نفيد"، تقول هذه الرياضية إن السلطات الإيرانية كثفت من تهديداتها لها.
وأشارت إلى أن أغلب رسائل التهديد تأتيها عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي بالصور إنستغرام، لكنها تعتقد أن بعض الرسائل النصية التي تلقتها أرسلها عناصر في المخابرات الإيرانية.
وقالت إن إحدى الرسائل النصية التي وصلتها، والمكتوبة باللغة الفارسية، تقول" سوف نقطع رأسك ونرسلها إلى أسرتك إذا واصلتي نشاطك المعادي لنا".
وقالت الصحفية والناشطة الحقوقية الإيرانية المقيمة في الولايات المتحدة مسيح علي نجاد لبي بي سي إن التهديدات التي يتلقاها الرياضيون الإيرانيون المقيمين في منفاهم الاختياري متشابهة.
وأضافت: "الرياضة هي فرصة تتاح للحكومة الإيرانية لكتابة أيديولوجيتها على أجساد اللاعبين".
لكن ماجد تفريشي، محلل الشأن الدولي المقيم في المملكة المتحدة، يرى أن حملة "متحدون من أجل نفيد" تضر بالشعب الإيراني والمصالح الوطنية لإيران.
وأضاف: "الإيرانيون لا يدعمون إعدام أفكاري، لكن الجميع تقريبا متفقون على موقفهم ضد منع إيران من المشاركة في الأحداث الرياضية الدولية".
وبخلاف المنع من المشاركة في المحافل الرياضية الدولية، يرى باشاي أن المسؤولين في اللجنة الأولمبية الدولية قد يفتحون تحقيقا في التمييز والعنف الذي تواجه إيران اتهامات بممارسته ضد الرياضيين، قائلا: "لن نستسلم".