مرّت خمسة أسابيع على الانتفاضة التي عمّت جمیع أرجاء إيران. سرعان ما انطلقت الانتفاضة في 16 سبتمبر بعد مقتل مهسا أميني بسبب الاحتجاج علی الحجاب القسري لتأخذ مسارها السياسي فی استهداف أساس النظام، والآن جمیع المراقبين یؤکدون هذه الحقیقة. لقد أصبحت ثورة عميقة وعظيمة لا تقبل بأقل من تغيير كامل.
هذه الانتفاضة نتاج وخلاصة لأعمال النظام المجرم الفاسد النهّاب الإرهابي من جهة، ونضال ومعاناة وجهود الشعب ومجاهدي الشعب ضد هذا النظام من جهة أخری. تراكم الغضب لأكثر من أربعة عقود لم يترك مجالاً للناس للتعامل مع هذا النظام. المقاومة المستمرة لمجاهدي خلق وقيادتهم هي دليل عمل أبناء الشعب لمحاربة هذا النظام حتى النهاية.
أكثر من 400 قتيل وأکثر من عشرین ألف اعتقال على يد قوات قمع الملالي لم تهدأ من نار الانتفاضة. من ناحية أخرى، انتشرت الانتفاضة من الشوارع إلى الجامعات. وشهدت ما لا يقل عن 48 جامعة في البلاد مظاهرات حملت شعارات "الموت لخامنئي" و "الموت للطاغية سواء الشاه أو القائد". ودخلت صناعة النفط والغاز في إضراب، وبدأ المحامون وأصحاب مهن مختلفة في التظاهرات. شعارات الموت لخامنئي تملأ أسوار المدن الكبرى وتزداد الهجمات المنظمة للشباب مظاهر قمع النظام بجرأة غير مسبوقة.
إن الدعم القوي من الجالية الإيرانية خارج إيران والشخصيات الثقافية والرياضية والفنية الشهيرة وإجماع كبير من المجتمع الدولي على دعم الانتفاضة لم يسبق له مثيل.
إلا أن سؤالاً يشغل البال: هل النظام غير قادر على إغراق الانتفاضة بالدم مثلما حدث في تشرين الثاني 2019، وهل قوات الحرس التي کانت ولاتزال خلف تصدیر الفوضى إلی بلدان منطقة الشرق الأوسط غير قادرة على قمع هذه الانتفاضة؟
للإجابة على هذا السؤال، دعونا نراجع الأحداث بعد خمسة أسابيع من أول شرارة الانتفاضة.
في الخطوة الأولى حاولت الحكومة منع تشكيل التجمعات وتوسيع أبعادها. بدأ ذلك بإجراءات وقائية مثل اعتقال النشطاء مسبقًا وإرسال قوات مكافحة الشغب إلى المكان ومحاولة منع التجمع، لكنها لم تسفر هذه العملیات عن نتیجة، وتم تشكيل تجمعات كبيرة لم تتمكن حتى القوات الموجودة في الموقع من السيطرة عليها والحد منها.
الخطوة التالية المتمثلة في بثّ الخوف والرعب من خلال استخدام السيارات المصفّحة والدراجات الناریة، وإلقاء الغازات المسيلة للدموع على المتظاهرين وضربهم، لم تكن مثمرة أيضًا. تم استهداف سيارات القمع ووحدات الآلیات من قبل المتظاهرين الذين تم تنظيمهم بشكل صحيح بمساعدة وحدات المقاومة.
مع فشل هذه المرحلة حاول النظام تأليب المجموعات الموالیة له ضد أبناء الشعب. وشملت هذه العملیة محاولة تنظيم مظاهرة مضادّة دعما للنظام في صلاة الجمعة في أول أسبوع من الانتفاضة، لکن هذه المحاولة قوبلت بالفشل بل وتحولت إلى نقيضها في حالات مثل أردبيل وتظاهرات الطلاب الذين كان من المفترض أن يهتفوا لصالح النظام لکنهم هتفوا بشعارات "الموت للديكتاتور" مما دفع النظام على قمعهم. وأصبحت طالبة ضحية لقسوة الشرطة.
الخطوة التالیة کانت إطلاق النار بالذخيرة الحیة والقتل من خلال إرسال عناصر من قوات الحرس بملابس خاصة للمتظاهرين. لکنها وبالرغم من الثمن الباهظ الذي أخذ من الناس في صورة شهداء وأسرى وجرحى، لم يستطع إطفاء شعلة الانتفاضة، خاصة عندما دخل طلاب جامعة الشريف للتكنولوجيا الانتفاضة ونشروها بفاعلية. دخول جامعة شریف فتح مجالًا جديدًا للجامعات وباتت القوى القمعية أقل قدرة على المناورة.
كانت الخطوة الأخيرة للملالي هي إحداث صدمة اجتماعية. كان إضرام النار في سجن إيفين في 15 أكتوبر وقتل السجناء بمثابة خطوة في هذا الاتجاه. ومع التحرك الفوري لسكان طهران نحو سجن إيفين وتعبئة الناس ويقظتهم، لم يترک أثر صادماً علی الشعب کما یریده النظام، بل أصبح الدافع لتعميق وتقوية الحركة.
بهذه الطريقة، لعبت الحكومة أو تلعب كل أوراقها في القمع. لقد دخلت قوات الحرس إلى الساحة بالكامل، والسيطرة الأمنية على البلد بأكمله بات الآن في أيدي قوات الحرس. یتربع الآن على رأس المجالس الأمنية لكل محافظة قائد قوات الحرس في تلك المحافظة، کما یترأس مجلس أمن طهران لواء الحرس حسين سلامي القائد العام لقوات الحرس في قاعدة «ثارالله». ونائبه عميد الحرس حسین نجات أحد الشدّادین في مجال القمع.
قوات الحرس مسؤولة عن الأمن في جميع محافظات البلاد الـ 31 بكل قواها. وتعمل الأجهزة الأخری مثل قوات الأمن ووزارة الداخلیة تحت إمرة قوات الحرس. لكن المنظمّین للانتفاضة الذین یعملون في أكثر من 190 مدينة في جميع أنحاء البلاد بأشكال مختلفة، لا یسمحون لهذه القوات بالتركيز أكثر من ذلک. وتقوم وحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق في الواقع بعمل محسوب ومنظم في جميع أنحاء البلاد.
دخول خامنئي المتأخر علی الخط، والذي حدث بعد تأخير 18 يومًا، على عكس المعتاد، أظهر عدم قدرة النظام على القمع ناهیك عن حل المشکلة. وكان دخوله لمجرد رفع المعنوية للقوى المحبطة من خلال زيارة خامنئي لمقر قوة الشرطة ومواساتهم.
من الواضح أنه على الرغم من رغبته، إلا أن خامنئي لا يملك القوة والقدرة على قمع أكثر من ذلك.
معنى هذا الکلام هو أن هذه الانتفاضة مستمرّة حتی الانتصار.